”صناع الاستقرار ”.. مدد
بقلم: عبير العربى
النشرة الدولية
الميدان –
لا أحد في المطلق لم تداهمه لحظات ضعف وانكسار شعر وقتها إن عقله قد توقف عن التفكير وأن ما قابله من صدمة فوق مستوى التوقع، وفوق مستوى الفهم، وفوق مستوى الاستيعاب،وقد تدخل الصدمات بعقولنا إلي منطقة الإنكار وهي عدم القدرة على استيعاب الموقف مما يدعم الاستمرارية في انكاره وعدم تصديقه، يجد هذا المصدوم ذاته أمام لخبطة ،توهه،انكسار،إحباط، وجع، ألم، مع هذا الشعور تضيق الحياة وتختنق الروح داخل الجسد،وتشعر إنه قد جاء اليوم الذي لا تستطيع المواجهة،مواجهة لحظة أنت أضعف من فهمها كى تستطيع التعامل معها، أو التألقم فيها.
لم أجد أشد من هذا المشهد صعوبة وقسوة ،وبعثره للقلب والأنفاس التي تصير حبيسة هذا الألم، ألم الفقد ،ألم الخذلان، ألم الغدر،الخيانة،وكل مفردة من تلك قادرة على أن تضرب بعمق كيان الفرد فتجعله هباءا منثورا ، تجده هنا لا يستطيع تجميع شتات ذاته،وكأنه بين الحياة والموت ،لا منطق لعودته ،ولا يقين بموته.
وسط هذا الشعور تفقد القدرة تماما على التحمل،يصير الفرد خاويا، يحتاج دون طلب معلن إلي دخول عناصر منقذه،مساعدة،محاولة دون يأس، ودون توقع للعودة السريعة إلي منطقة الاتزان النسبي ، فقط مطلوب منها بذل المحاولات ،كل المحاولات الممكنة والصعبة ،بل والمستحيلة ، تلك العناصر مطلوب منها أن تبذل كل ما توفر لديها من مجهود كى تخرج بهؤلاء المهزومين عنوة إلي محيط الراحة المفقودة.
هكذا هي الحياة كتلة من الاختبارات والابتلاءات الصعبة،تتحدى التعلق، واحترام الاختيار ،والابقاء على ما تخيلناه ثابتا ابديا مخلدا.
ورغم أننا جميعا نعلم أن دوام الحال من المحال،ورغم إننا نتيقن مثلا أن الموت حقيقة مؤكدة،لكننا ربما نأمنه في أن يزورنا فيأخذ منا أغلى ما لدينا،أو يخوننا من أحببنا وتعلقنا به إلي حد يصعب تخيل أن ينسحب فجأة، فنعيش شعور خروج الروح من الجسد،أو يخون صديق فيقلب حال أمننا رأسا على عقب،أو يخذلنا من توقعنا أنه النجاة من كل هلاك، و من تخيلنا إنه الأمن والمأمن والأمان، كل هذا يمنحنا قدر لا بأس به من الإجهاد النفسي، وتشتت الروح ، ونفاذ الطاقة واختناق الروح، ووسط هذا المعتقل المظلم من الوجع المر،ربما تجد من ينزع عنك ضباب التخبط ، يمسك قلبك بقوة في محاولة مجهدة وجاهدة لإنقاذك. هؤلاء يحاولون دون توقف، ودون تفكير في قدرتك من العدم على الاستجابة والتقدم خطوة نحو الأمام، هم لا يفكرون إلا في محاولات صانعة لتوقف وقتي لهذا الألم الذي لحق بك واغرقك حتى النفس الأخير داخله،يحاولون بكل ما أوتو من قوة أن يستمر النبض دافع للحياة داخل قلبك المنهك المشتت وسط قسوة ما تعرضت له،يأخذونك خطوة خطوة دون انتظار سريع لتعافيك،ودون ملل،ودون نصائح فلسفية من شأنها تعينك على الاستقواء ،ولكنهم فقط يبذلون كل المجهود كي يستكين وجعك ويتم تسكينه ولو مؤقتا ،ثم يعاودون مجددا بذل تلك المجهودات وربما ضاعفوها دون تأفف أو ملل متكرر، هؤلاء يجتهدون مجددا في أن يصنعوا سياجا من الإستقرار النفسي يدعموا ما تبقى من الوعي العليل بركائز من الود والتواصل المستمر للوصول إلي هدوءك المفقود،ومحاولة صلحك على ما ألحق بك من ألم عميق.
هؤلاء باختصار هم منشدوا الحياة لروحك،هم صناع الاستقرار الحقيقيون لحياتك،هم الداعمين لدعائم ضخ الدماء داخل جسدك الهزيل بعد خيبات الواقع،ومصائب الحياة،صناع الاستقرار هم الرهان المواجه للضياع المحقق، هم المضاد الحيوى الذي يريد بكل قوة الانتصار على فيرس الانهيار العام الذي ضرب جوارحك،هؤلاء خلقهم الله،مثل باقي الخلق،لكنه جل شأنه ميزهم بحيل فطريه،ربانيه،جعلهم أصحاب خصائص ليست كتلك التي ملئت الحياة بالنفاق والمزايدة ونزع موجبات الأمن والأمان ، هؤلاء صناع الاستقرار هم القادرون وحدهم على مناجاة الوجع،محادثته، والطبطبة عليه لا نهره،والإيمان بحقك في التألم لا التأقلم،يرون أن حدثك جلل ،لا يهمشون منه،ولا يقدمون روشتة الإنقاذ السريع،ولكن يرون أن لديك الحق في منحك الوقت للتعافي، ولا يدعونك وشأن ألمك، بل يستمرون في انهاء رحلة الوجع ،رفقاء اللحظة التى ربما تمتد للغد وبعده وربما طالت كما أرادت، صناع الاستقرار هؤلاء لديهم صنعة خفية لا يعلنون عنها شفاهة في إنك ستكون على ما يرام،ولكنهم يحقنون بها روحك،لتقف أنت على نتائجك وأنت تعلن إنك أصبحت أحسن، كويس،إلي أن تصير أفضل.
صناع الإستقرار يلعبون الدور المخالف لمن بث الوجع،لمن خذل،لمن خان وكسر،وهم أيضا المتواجدون بقوة في لئم نزيف وجع فواجع القدر،يحاولون اعادة ترميم جدار القلب المنقض على أصحابه، وربما اعادة بناءه من جديد.
إليكم أنتم صناع الاستقرار داخل النفوس التي انهكت بفعل فاعل،بفعل كل يد لعبت دور القاسي الشرير ،بفعل الحقائق التي لم نتحملها رغم كونها حق، أنتم أحق بودنا واحترامنا، انتم أحق بالحياة وزهوها، والإبقاء داخلنا وجوارنا ما بقينا، أنتم قدر خفي للقدرة على استكمال مسيرة البقاء ما بقينا، بهدوء واتزان ورحمة،صناع الاستقرار هم الحقيقة التى سنتدركها بعد تجاوز الأزمات دون عاهات نفسية تتملك منا ،ودون خسائر في القلب والروح والجسد والعقل،سندركهم حين نتعافى بكل سلام وأمان ،ونعود مجددا نبحث بهم عن حياة أخرى ننشد فيها جودة الحياة وسلامة العلاقات،، وربما أصابتنا عدوى جمالهم فأصبحنا مثلهم،صناع للاستقرار.