“وباء التضخم” يتسلل الى العالم… أخطر من كورونا وحرب أوكرانيا….هل يصل إلى لبنان؟

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر –

فيما ينشغل اللبنانيون بيومياتهم القاهرة، يتسلّل إلى العالم “وباءٌ اقتصادي” هذه المرّة، يكاد يكون أخطر من كورونا، لن تسلم دول العالم أجمع من تبعاته. هذا الوباء يدعى “التضخّم” وقد بلغ في الولايات المتحدة أعلى مستوياته منذ 40 عاماً، بحيث وصل إلى 8.50%. لكبح جماحه، سارع مجلسُ الإحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار فائدة الأساس بمقدار نصف نقطة مئوية، وذلك للمرّة الأولى منذ 22 عاماً. تبعات ما يحصل في الولايات المتحدة لن تقتصر على جغرافيتها، بل ستطال معظم الدول، خصوصًا الدول العربية غير النفطيّة والدول الفقيرة والأسواق الناشئة.

 

المركزي الأميركي لن يكتفي برفع الفائدة نصف نقطة، بل من المتوقع أن يستمر برفع الفائدة بنسب متساوية مرّات عدّة خلال العامين الحالي والمقبل، لتصل إلى ما يقارب 3.50%، وذلك لإحداث نوعٍ من التباطؤ الإقتصادي، وصولًا لتقليص التضخم. الآثار الإقتصادية على دول العالم جرّاء رفع الفائدة تفوق خطر كورونا، وتتجاوز ارتدادات الحرب الأوكرانية الروسيّة، لتشكّل الضربة القاضية للإقتصاد العالمي، وفق مقاربة الخبير الإقتصادي البروفسور بيار الخوري، مشيرًا في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ الأزمة الإقتصادية العالمية عام 2008 بدأت برفع الفائدة من 1 إلى 6 % في الولايات المتحدة، فتدهور الإقتصاد الأميركي، وضرب اقتصاد العالم.

لماذا تتأثر دول العالم بقرار رفع سعر الفائدة على الدولار الأمريكي؟

“أميركا ليست دولة على الهامش، اقتصادها قائد وعملتها قائدة، والكل ملزم بأن يحذو حذوها، وذلك لقوّة حضور الدولار الأميركي في كافة أسواق العالم وفي سوق الديون بشكل خاص، ولارتباط عملات العديد من الدول مباشرة بالدولار” يجيب بروفسور الخوري شارحًا كيف سينسحب قرار المصرف المركزي الأميركي على المصارف المركزية في العالم، التي سترفع الفائدة بدورها على غرار الإحتياطي الفدرالي لتعزيز قدرتها التنافسيّة، وإلا تهرب الرساميل والأموال من أسواقها وجهازها المصرفي إلى أميركا، وبالفعل هذا ما حصل في العديد من الدول، إذ رفعت خمسة بنوك مركزية خليجيّة أسعار الفائدة فورًا عقب قرار البنك المركزي الأميركي وبنفس النسبة، كذلك فعلت الأردن.

بعد لبنان.. دول ستمتنع عن دفع ديونها !

القرار الأميركي يهدف إلى خفض أسعار السلع التي شهدت زيادات كبيرة في الولايات المتحدة، بما فى ذلك أسعار الغذاء والكهرباء والمسكن، كما بلغت أسعار البنزين مستويات تاريخيّة. سياسة رفع الفائدة من شأنها أن تؤدي إلى رفع تكاليف الاقتراض، ما يقلل من نسبة الأموال المطروحة في الأسواق ويخفّف السيولة النقدية، لأنّ وفرة الأموال تشجع على عمليات الشراء التي تؤدي لزيادة الأسعار.”لكن المشكلة الحقيقية أن رفع الفائدة تزامن مع غرق معظم دول العالم بالديون، أزمة الديون العالميّة عبارة عن قنبلة تحتاج إلى صاعق لتنفجر، فهل يكون رفع سعر الفائدة على الدولار الأميركي هو ذاك الصاعق؟” يسأل الخوري، موضحًا أن كلّ دول العالم متورطة بالديون “بحيث لم يكن من الممكن استعادة النهوض ما بعد الأزمة الإقتصادية العالميّة من دون زيادة مستويات الدين، تبلغ هذه المستويات عبر العالم حوالي 300% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى خطير جدًا، وباعتقادي سوف نشهد بداية سقوط الدول تباعًا بسبب الدين كلعبة أحجار الدومينو. لقد بدأت القصّة في لبنان، وانتقلت إلى سريلانكا، واليوم بعد ارتفاع أسعار الفائدة ستكرر مشهديات امتناع الدول عن دفع ديونها، لأنّ إقتصادات الدول باتت هشّة بعد كورونا، وبشكل أكبر بعد الحرب في أوكرانيا، وهي غير قادرة على تأمين فوائض في خدمة ديونها، في ظلّ حاجتها الماسة لتأمين مخزونها الإستراتيجي، والتعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع الأسعار العالمية، خاصة بالنسبة للدول المستوردة”.

ماذا عن لبنان وهل يتأثر اقتصاده المتردّي برفع الفائدة والتضخم؟

لبنان يأتي في قائمة الدول الأقل تأثّرًا بالتضخم العالمي، يجيب خوري “ليس لأنّه أفضل من غيره، بل لأنّه بلدٌ هش لدرجة أنّه أنهار قبل غيره منذ عام 2019، وتوقف عن دفع الديون عام 2020، ومعظم ديونه داخليّة وخاضعة لتسوية دوليّة، ولا يستدين في الوقت الراهن، ولكن بطبيعة الحال سنتأثّر بارتفاع أسعار السلع عبر العالم، لأنّنا نستورد معظمهما”.

مسار رفع الفائدة في الولايات المتحدة سيلقي بتداعياته السلبيّة على الأسواق الناشئة، حيث يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإقتراض الدولاري في الاقتصادات الناشئة، وضعف تدفق العملات الأجنبيّة، فضلًا عن احتمال انخفاض قيمة العملات المحليّة. تتراكم نقاط الإختناق في الإقتصاد العالمي الذي عانى من كورونا منذ ثلاث سنوات، وفق مقاربة الخوري، ومع زوال نتائج الجائحة، استعاد العالم النمو القوي والسريع، مدفوعًا بتعويض ضعف الإنتاج، وبالقدرة الشرائيّة العالية التي توفرت لدى المواطنين في الغرب، بفعل حزمات الدعم القوية من الحكومات والتي وصلت الى 11 تريليون دولار. ومع استعادة النمو وبفعل سرعة وحجم الطلب، بدأت مؤشرات ارتفاع التضخّم في الغرب تسجّل معدلات غير مسبوقة منذ ما قبل الأزمة الإقتصادية العالمية 2008. تلى ذلك اندلاع الحرب الروسية، التي عزّزت الميل نحو التخزين الإستراتيجي، و خلقت طلبًا إضافيًّا فوق الحاجة، بسبب عدم اليقين حيال الظروف المستقبليّة، وهذا ما جعل الطلب لأول مرّة في منطقة اليورو وفي الولايات المتحدة يتجاوز مستويات تفوق الـ 7%، بمعنى أنّ الفائدة الحقيقية باتت تحت خطر أن تتحوّل إلى فائدة سلبيّة يهاجم العالم مهدّدًا شعوبها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى