«أبوراشد».. الصديق الرشيد
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

تعود علاقتي بصديقي النائب والوزير السابق إلى أكثر من ثلاثة عقود، لم أجد منه يوماً إلا كل خير في التعامل والخلق الحسن والأدب في الحوار والصدق في القول والكرم في التعامل. وبالرغم من اختلاف خلفيته الثقافية مع الكثيرين، من أصدقاء وأقران، فإنني لم أجده يوماً متحيزاً أو معادياً لأحد، بلا سبب أو منطق، فقد كانت مواقفه وآراؤه، ولا تزال، مسالمة وتجنح للتعقل، بعيداً عن التشدد غير المبرر.. هذا هو الصديق عبدالوهاب راشد الهارون!

***

مناسبة الحديث عن «أبو راشد»، رجل الدولة المعروف والذي اعتزل السياسة قبل فترة ليست بالطويلة، تأتي بمناسبة صدور الكتاب الذي أخذ منه سنوات من البحث الجاد والجهد المضني، ليخرجه بالصورة التي أرادها، والذي تعلّق موضوعه بسيرته الذاتية، وسيرة بقية إخوته، وأسرته الكريمة، وبالذات والده، الشخصية الأكثر تأثيراً في حياته.

***

كانت الكويت في بدايات تأسيسها موطناً آمناً وكريماً لكل من هاجر إليها من الدول المجاورة، وحتى من دول بعيدة نسبياً. ولا يعرف الغالبية اليوم كيف وصلت أسرهم للكويت، ولماذا اختاروها، وسبب اختيارها وطناً لهم ولأبنائهم وأحفادهم. وهذه هي الثغرة التي حاول الكاتب الصديق سدّها، والتخفيف من عبء السؤال عن الأجيال القادمة من أسرته، واضعاً الجواب بين دفتي كتاب توثيقي قيّم يبيّن فيه للمهتمين وللأجيال القادمة أصولهم ومنشأهم والكثير من تاريخهم.

***

الكتاب جدير بالقراءة، والاقتناء، ففيه كم جيد من المعلومات عن أسرة الهارون وعن تاريخ الهجرات الصغيرة والكبيرة للكويت، وخاصة من نجد، مع شرح لتاريخ المنطقة بشكل عام، والكويت بشكل خاص، مع غياب للمصادر. فغالبية ما ورد في الكتاب من أحداث تاريخية اعتمد المؤلف في سردها بشكل أساسي على ما قاله الرواة والمؤرخون، مع غياب الأدلة الملموسة والحاسمة التي يعتمد عليها، إلا ما ندر، وهذا جزء من ثقافة المنطقة التي اعتمدت منذ الأزل على الرواية الشفهية، فطبيعة الحياة القاسية وحركة القبائل والأجناس من منطقة لأخرى وشحّ وسائل ومواد التدوين، واستحالة حفظ الوثائق لسنوات طويلة في مكان آمن، جعل من الاستحالة بمكان الحصول على ما يؤيد كلام الرواة. ولم يكن غريباً بالتالي أن غالبية أو معظم المخطوطات القيمة المتعلقة بتاريخ المنطقة وما تعلق بصلب عقيدتها لا تتوافر إلا في العواصم الإسلامية والغربية، وليس في المهد الذي كتبت فيه وعنه!

فمؤلف الكتاب الذي اشتهر عنه قدرته العجيبة في معرفة الكثير عن أنساب أسر الكويت، يقول إن آل الهارون، الكرام، يعودون في نسبهم إلى قبيلة عتيبة، التي يعود نسبها إلى بني سعد بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خفصة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان…إلخ، وهذا طبعاً ما علمه من الرواة، أباً عن جد!

ويشهد على ذلك ما كرر المؤلف ذكره في أكثر من مكان، في سعيه لبلوغ أقصى درجات المصداقية، من روايات متعددة ومختلفة للحادثة الواحدة، بسبب صعوبة الاتفاق على الرواية التاريخية الأقرب للدقة في غياب النصوص الأصلية والموثقة، وكمثال على ذلك سبب تسمية مسجد «رشود» الواقع في حي العتبان في منطقة الإحساء، وهو الحي الذي استقر فيه الهارون سنوات طوال، وتعدد الروايات والمرويات عن سبب تسمية لا تعود لزمن غابر، بل حديث نسبياً، حيث بدا واضحاً أن لا أحد يعلم يقيناً من بنى ذلك المسجد، ولِمَ سمي بذلك الاسم!

نعود ونكرر بأن الكتاب غني بالمعلومات وجدير بالقراءة، ولا يتسع المجال هنا للحديث عنه باستفاضة أكثر.

نتمنى على السياسيين والشخصيات البارزة أن يحذوا حذو الأخ عبدالوهاب الهارون، ويقوموا بتدوين تجارب حياتهم وسيرهم في كتاب قبل وفاتهم، فقد غادرنا الكثير من الشخصيات البارزة، والتي كانت لها بصمات واضحة وخطيرة في تاريخ الكويت، من دون أن يدونوا شيئاً يضيف لبنة لجدار الوطن وتاريخه!

***

وعندما نستعرض سيرة مثل هذه الشخصية السياسية، نتحسر على نواب هذا الزمان الذين أخجلونا بتواضع مستوى غالبيتهم!

زر الذهاب إلى الأعلى