العقارات اللبنانية تراجعت بأكثر من 60%
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
نوال الأشقر
على رغم تراجع أسعار العقارات اللبنانية بنسبة تجاوزت الـ 60% في بعض المناطق، شهد السوق العقاري تبواطؤًا كبيرًا في عمليات البيع طيلة العام 2022، خصوصًا وأنّ المطّورين العقاريين توقّفوا عن قبول الشيكات المصرفيّة التي استخدموها في بداية الأزمة لسداد ديونهم للمصارف، واشترطوا الفريش دولار وسلة وحيدة للدفع، لا يمتلكها سوى قلّة من اللبنانيين مقيمين ومغتربين.
بشكل عام، تراجع الطلب في لبنان بنسبة 70%، ونسبة الـ 30% المتبقيّة تعود للبنانيين يملكون الأموال بالدولار النقدي، وفق ما يقول رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان وليد موسى في حديث لـ “لبنان 24” لافتًا إلى أنّ الطلب يتفاوت بين منطقة وأخرى، بحيث يتركّز في المناطق الميسورة التي تضم لبنانيين مقتدرين ومغتربين بنسبة 75%، وينخفض إلى حدود 25% في مناطق أخرى، حيث تنعدم القدرة الشرائية “بعبارة أخرى، الإنقسام الطبقي في البلد بين غني وفقير انسحب على الواقع العقاري، حيث أنّ الأثرياء فقط قادرون على شراء العقارات، لذلك شهدنا أنّ المناطق المصنفّة مقتدرة، كالرابية ووسط بيروت والأشرفيّة وفقرا لم ينخفض سعر العقار فيها أكثر من 30%، بالمقابل هوت الأسعار في المناطق الفقيرة إلى حدود 65%، ورغم ذلك هناك ندرة مشترين”.
وفق تقرير صادر عن بنك عودة حول “القطاع العقاري في لبنان” سجّلت المبيعات العقارية تقلصاً سنوياً نسبته 18% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2022، بعدما بلغت مستوى قياسياً في العام 2020 وسجلت نمواً نسبته 8% في العام 2021. توازياً، انخفض عدد عمليات البيع العقارية بنسبة 15% سنوياً في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، بعد ارتفاع نسبته 34% في العام 2021.
ما الذي يعيد الحركة إلى القطاع العقاري؟
يعيش القطاع العقاري تبعات الإنهيار المالي، حاله حال بقيّة القطاعات، حتّى أنّ المغتربين المقتدرين لن يتحمّسوا للاستثمار في القطاع، بظل انعدام الاستقرار السياسي واستمرار سياسات الكيدية في إدارة شؤون البلد. وفق موسى، إعادة تحريك عجلة القطاع تتطلب، إضافة إلى الإنفراج السياسي، إعادة العمل بالقروض السكنية “وهنا لا نتكلم عن قروض بـ 20 و 30 ألف دولار، بل عن قروض واقعيّة طبيعيّة تمكّن أصحابها من الشراء. وهذا لا يعني إعادة القروض المدعومة من مصرف لبنان، فهذه ليست وظيفته، بل وجب رسم سياسة إسكانيّة من قبل الحكومة. من ضمنها، تمويل القروض السكنية، والأمر يحتاج إلى صناديق دولية وعربيّة”. يضيف موسى أنّ ذلك لا يتحقق من دون إصلاحات، ومن دون أعادة ترميم الثقة، من ضمن خطّة شاملة “من هنا نجدّد مطالبتنا باستحداث وزارة للإسكان، تضع خطّة إسكانية واضحة، تتواصل مع الصناديق المعنيّة، وتتمكّن من وضع خطط وإتاحة منازل بأسعار معقولة Affordable housing، وطرح قوانين من شأنها تخفيض الضرائب على الأبنية التي تبيع بأسعار معقولة، وتشجيع القطاع الخاص على الإستثمار عبر سياسات ضريبية مشجّعة. أمّا جذب المستثمر الأجنبي إلى القطاع العقاري فيحتاج إلى استقرار سياسي، ممرّه انتخاب رئيس للبلاد وتأليف حكومة، ووضع سياسة اقتصادية وخارجية تقوم على الحياد التام، فيما يختص البلدان العربية. وهنا يجب أن نكون مدركين أنّ المستثمر المحتمل ليس أوروبيا ولا إيرانيا، بل هو مستثمر عربي فقط وخليجي تحديدًا. بالتالي تحقيق هذه العناصر إلزامي للنهوض بالقطاع، الذي يقتصر اليوم على نسبة اللبنانيين المقتدرين، والذين لا يشكّلون وحدهم سوقًا كافية”.
بورصة الأسعار مستقبلًا مرتبطة بالوضعين السياسي والإقتصادي
تراجع الأسعار تفاوت بين منطقة وأخرى، في المناطق حيث القدرة الشرائية مرتفعة لم تتراجع الأسعار أكثر من 30%، يلفت موسى. بدوره التقرير الصادر عن بنك عودة أشار إلى التفاوت في خفض أسعار العقارات مناطقيًّا “حيث بلغ 70% بالدولار النقدي في المناطق النائية في ظل ندرة المشترين وضعف القدرة الشرائية، بينما اقتصر الخفض في مناطق أخرى متاخمة للعاصمة على 30%. الجدير ذكره هنا أنّ العقارات الفخمة وخصوصاً في العاصمة، أظهرت مناعة أفضل بعض الشيء منذ اندلاع الأزمة حيث حافظت نسبياً على مستوى أسعارها، في حين شهدت عقارات المناطق النائية انخفاضاً أكبر في الأسعار”. وتوقع تقرير عودة أن تشهد المناطق التي تعتمد على الدخل المحلي تراجعات أكبر في الأسعار إذا طال أمد الأزمة السياسية والإقتصادية “في حال حصول تراجع أكبر في العملة الوطنية في ظل غياب السيناريو الإيجابي، ستضمحلّ بشكل أكبر القدرة الشرائية بالليرة اللبنانية، ما سيوّلد مبيعات عقارية أكثر في هذه المناطق من أجل تلبية الحاجات الأساسية، ويزيد الضغط بشكل أكبر على أسعار العقارات. أما بالنسبة للمناطق التي تستقطب استثمارات عقارية من قبل المغتربين اللبنانيين، فستتمتع بتموضع أفضل داخل السوق العقاري في ظل التدفق المستمر نسبياً للعملات الأجنبية من الخارج”. بالمقابل في حال حصل انفراج سياسي تمثّل بانتخاب رئيس للبلاد وتأليف حكومة والتوصل إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي، سينعكس انفراجًا في القطاع العقاري، وعندها سيزيد الطلب على العقارات، ما سينسحب ارتفاعاً في الأسعار.
التراجع في الطلب انسحب على عمليات تطوير المباني السكنية الجديدة، بحيث تراجعت المشاريع الإنشائية بشكل كبير، في ظل الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء وانخفاض القدرة الشرائية لدى المطوّرين، كما توقف العمل في بعض المباني التي كانت قيد الإنشاء “والمطوّرون الذين يسعون إلى إنهاء مشاريعهم في البناء هم تحديداً من أتمّوا عمليات البيع قبل عام 2019”.
بالمحصلة، القطاع العقاري الذي يعاني ركودًا ملحوظًا، يعكس أزمة سكنيّة حادّة يعيشها الشباب اللبناني، الذي وجد نفسه عاجزًا عن تملّك منزل، وفي الوقت نفسه غير قادر عى تكبّد تكاليف الإيجار الذي يدخل مجال الدولرة شأنه شأن باقي القطاعات. ويبدو أنّ المستفيد الوحيد من الوضع الحالي، هم فئة الميسورين الذين يملكون الدولار النقدي، ويشترون بأسعار “لقطة”.