بيوتات!
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

للحزب الشيوعي العراقي تاريخ نضالي طويل

النشرة الدولية –

كتبت قبل أسابيع عن المكونات، وهو مصطلح يطلقه الطائفيون للتغطية على طائفيتهم، فبدلاً من أن يقول الطائفة السنية والطائفة الشيعية، يقول المكون السني والمكون الشيعي إلخ.

قبل أيام، أصدر الحزب الشيوعي العراقي بياناً، وهو حزب عريق كان له تأثيره وارتداداته بالمنطقة، وتأثر به وبأفكاره الكثير من الشباب الخليجي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بل كان مؤثراً بالعراق- وخصوصاً بجنوبه- حتى قيل إنه كناية عن مدى انتشار أفكاره وأتباعه: “لو أمطرت بموسكو، لرفعوا المظلات بالعمارة”، وهي مدينة في الجنوب العراقي.

البيان الشيوعي العراقي جاء على شكل تصريح لسكرتير الحزب السيد رائد فهمي بدأ بتساؤل نصه:

“ما علاقة الاختلافات والصراعات ما بين الكتل و”البيوتات” الشيعية والسنية والكردية وتداخلها بمصالح أوسع قطاعات الشعب التي تئن من تدهور ظروفها وأحوالها المعيشية؟”.

والبيوتات هي جمع الجمع لبيوت التي بدورها جمع لبيت، والكلمة أصلها سامي قديم، ونجدها في الحميرية والسبأية والعبرية والساميات القديمة في جنوب الجزيرة العربية والحبشة، فهي بيتي بالأمهرية وبيت بالعبرية وأشهر “بيوتات” إسرائيل، هو الشين بيت الذي يعني أمن البيت أي الأمن الداخلي، والشين بيت “شين الفعايل” في قمع الشعب الفلسطيني المطالب بحقوقه.

وجاءت البيت بنهاية كلمات مركبة تحذف الباء وتقلب الياء واواً أحياناً، في مثل كلمة اسم قرية رخيوت في عمان بمعنى بيت الرخاء، وسحنوت بصلالة عمان هي بيت التمر، ولعل أقرب التفاسير أن كلمة حضرموت باليمن بمعنى بيت الحضارة والتمدن، وغنتوت (منطقة بالإمارات) بمعنى بيت الغنى وهكذا.

وأصل البيت من بات-يبيت أي قضى ليلته، وبيّته بالبدوية الخليجية تعني هاجمه وأغار عليه فلم يستطع النوم في تلك اليوم. فيقال “بيّته بياتٍ شديد”.

والبيات غير السبات، فالسبات طويل ومنها كلمة السبت واشتق من العبرية لأن اليهود يبقون في سبات ذلك اليوم لا يخرجون ليقرأوا ويتدبروا التوراة، ومنها جاءت كلمة sabbatical leave   بالإنجليزية وتعني الإجازة أو التفرغ للبحث العلمي.

وبيت الله هو مكة المكرمة، وبيت الشَّعَر يميز عن الخيمة، فلا يقال بيت خيمة، والبيت الشيخ أو شيخ البيوت هو أفضلها موقعاً، وبيت الشِّعر ما صفّ من حسن القول ببناء مقفى حسب بحور الشعر.

أما “ناطر بيت” فهو حملة وسم (هاشتاغ) على التواصل الاجتماعي بالكويت احتجاجاً على ارتفاع أسعار العقار وبطء عمليات الإسكان وتوزيع البيوت على المواطنين.

نادراً ما تستخدم كلمة بيوتات، وخصوصاً في وصف الفئات السياسية والجماعات الدينية، صحيح أن كلمة بيت تستخدم لوصف الأسر والعوائل عند أهل العراق وبلاد الشام، فيقال: بيت البوصالح وبيت البوعلوان وهكذا، ولكنها لا ترد في سياق السياسة لوصف الأحزاب السياسية.

للحزب الشيوعي العراقي تاريخ نضالي طويل، لكنه تاريخ حافل بالعجائب السياسية، فهو متحالف في الانتخابات الماضية مع التيار الصدري، ولا أعرف ما الذي يجمع الصدري بالشيوعي؟ كان الحزب قد تحالف مع صدام حسين في الجبهة الوطنية القديمة منتصف سبعينيات القرن الماضي، وقد كان مفهوماً أن يتحالف الحزب الشيوعي مع “حزب البعث العربي الاشتراكي” على اعتبار أنه “اشتراكي”، وقيل إن الاتحاد السوفياتي آنذاك أقنع الحزب بالتحالف مع البعث، وأوصى بالتقارب مع صدام حسين على اعتبار أنه يساري راديكالي معادٍ للغرب والإمبريالية! لكن تحالف الشيوعي مع تنظيم ديني طائفي بلا برنامج سياسي واضح، مسألة يصعب فهمها.

غدر صدام حسين بكافة أطراف الجبهة، وكان يغتال القيادات الشيوعية بالتدريج والحزب كان يتفرج صامتاً، حتى أن للشاعر مظفر النواب-نصير الحزب الشهير- قصيدة منها:

هذا حزب يتعرض لمضايقات مختاراً لا إكراه ولا بطيخ بمحض إرادته…

وما أشبه الليلة بالبارحة.

“يخرب بيتك” دعوة مصرية شائعة، وقد انتشرت بحكم انتشار اللهجة المصرية بين كافة العرب، وبالعراق يقولون: “انهدم بيتك”، وقد انهدمت “بيوت” معظم العراقيين بسبب غباء وحماقة وغدر وبطش صدام حسين وحروبه الجنونية، ثم جاءت الطائفية السياسية التي يتحاشى “الرفيق” رائد فهمي تسميتها بالاسم لتهدم كل “البيوتات” العراقية من دون استثناء.

 

Back to top button