لا تفكروا حتى لا تنجنوا.. والمجانين في نعيم
بقلم: صالح الراشد

النشرة الدولية –

صدق المتنبي حين قال:”ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ”، ففي هذا العالم المتخم بالأحداث المُتسارعة يصاب من يحاولون ايجاد الحلول للقضايا العالقة واستشراف المستقبل بحالة اكتئاب يصعب السيطرة عليها، فالعالم المتغير المتداخل مشوه المعالم يقود البشرية صوب المجهول دون أن تظهر ملامح واضحة لقادم الأيام، لنجد أن الأحداث تتوالى وكأنها مسبحة قد انفرط عقدها، دون أن ندري أسباب هذا التوالي المرضي الاقتصادي العسكري المدعوم بكم كبير من الأكاذيب لرجال احترفوا فن سياسة الكذب وتزوير الحقائق أو لنقل تجميلها.

 

فالقضايا الكُبرى واضحة لا لُبس فيها أو هكذا نعتقد، ففلسطين دولة عربية مُحتلة من قبل الصهاينة العدو الأول للأمة، ورغم ذلك يتزاحم العرب على أبواب الصهاينة ويسيرون إليهم حبواً وركبانا، والولايات المتحدة لم يكن لها موقف مُشرف مع أي دولة عربية وهمها الوحيد نهب خيرات الأمة والسيطرة على قرارها السياسي، ومع ذلك يتسابق العديد من القادة والمسؤولين لأداء مناسك الحج الأعظم في البيت الأبيض، أما بريطانيا العظمى بجرائمها وسوء فعالها فتعتبر لعنة الأمم، فقد صنعت الكيان الصهيوني ورغم ذلك يطالبها الكثيرون بحل القضية ويعتبرونها المرجع الرئيسي لأسس إدارة الحكم، وروسيا صدرت يهودها للكيان ثم نهتف بعلو الصوت أنهم السند لقضيتنا.

 

الواضح أن الجميع وأقصد الجميع من عرب وعجم وبربر وحتى السلطان الأكبر، وكأن ابن خلدون يسكن بيننا ويشعر بما يؤلمنا ليؤلف قبل ستة قرون كتاب حمل عنوان ” أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر”، فهؤلاء جميعاً تخلوا عن فلسطين وقبلها الاسكندرونة وديار بكر ومليلة، والواضح أن الأكاذيب تتزايد حتى أصبحت تمثل واقع الأمة، فالحكومات تُبدع في الكذب على الشعوب وهم بدورهم يكذبون على بعضهم البعض، ففي هذا العصر يسير الجميع على غير هدى ولا يوجد من نقتبس من نورهم لنسير بجوارهم وخلفهم، فالظلام يعم والسبب واضح ومعلوم للجميع إلا اصحاب القرار الذين يرددون دوما ليس لكم أن تروا إلا ما نرى وما نريد لكم إلا الخير.

 

ففي هذه العصر لا مكان للعقلاء ولا أصحاب المعرفة، ليطلق المجتمع على الفلاسفة لقب تُجار الكلام، ويدعوا المفكرين بالمنظرين، ويتهمون المستشرفين بأنهم حالمين كاذبين، ويضعون العلماء والنجباء في نهاية الصف ويتقدمهم كل جاهل معلوم الجهالة، فنحن في عصر يعتلي فيه الجهلة المناصب ويصدح الجبناء بالبطولات، ويدافع الفاسدون عن الشرف والأمانة والعفة ويصبحوا القدوة فيهم، فيما الديكتاتور ينادي بالديموقراطية والقتلة يرفعون أعلام السلام، وقطاع الطرق ينادون بالحوار البناء، والحمقى يتسيدون المشهد الاعلامي ويصبحوا بنظر الدول مؤثرين، وبين هؤلاء جميعاً تضيع الأخلاق والمبادئ والقيم فتختفي أصوات الحق وتعلوا هيبة الباطل حتى يسود.

 

آخر الكلام:

 

في عصر اللئام وصُناع الأوهام يقف الراشدون كالأصنام وعن الحديث صيام، ولا يسمح لهم بالكلام فهذا زمن الأقزام حيث يُقدمُ الجهلاء للأمام، فقصص بطولاتهم أفلام وكذب ودجل وأوهام، فاليوم الصالح مُلام والمُفكر يُضام والجاهل يرتقي أعلى سنام، فلا تنتظروا الوئام بل قولوا على الدنيا السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى