هل يشهد العالم أول حالة إفلاس دول بسبب كورونا؟

البنك الدولي: خسرت سريلانكا 5 سنوات من التقدم في مكافحة الفقر بسبب "كوفيد-19"

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – منى المنجومي –

على الرغم من أن دولاً عديدة نجحت في الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها انتشار فيروس كورونا في 2020، وما ترتب عليه من إجراءات احترازية وإغلاق للحدود وتوقف الكثير من الأنشطة التجارية، فإن دولاً أخرى لم تستطع التكيف مع الأزمة، وخرجت منها بكثير من الخسائر التي بدأت تظهر في الوقت الراهن، خصوصاً مع ارتفاع معدلات انتشار المتحورة الجديدة “أوميكرون” في العالم وعودة الدول إلى إجراءات الإغلاق للحد من تفشيها.

في سريلانكا لم تمر التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا مرور الكرام على البلاد، بل كانت إحدى الدول التي تأثرت بشكل سلبي اقتصادياً، لا سيما أنها اليوم تواجه أزمة مالية وإنسانية عميقة تنذر باحتمال اضطرار البلد الآسيوي إلى إشهار إفلاسه في عام 2022 مع ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية ونفاد خزائنها.

خسارة 5 سنوات في سنة واحدة

وحسب إحصائيات البنك الدولي، فإن 500 ألف شخص قد سقطوا تحت خط الفقر منذ بداية الوباء، وهو ما يعادل خمس سنوات من التقدم في مكافحة الفقر.

الانهيار الذي واجهته الحكومة، بقيادة الرئيس جوتابايا راجاباكسا، ناجم بشكل رئيس عن التأثير المباشر لأزمة “كوفيد-19” وفقدان إيراداتها من قطاع السياحة، الذي يسهم بأكثر من عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

كما تسببت الأزمة في فقدان ما يقارب 200 ألف شخص وظائفهم داخل القطاع، وفقاً لإحصائيات المجلس العالمي للسفر والسياحة.

وعلى الرغم من فقدان البلاد إيرادات قطاع السياحة وقطاعات أخرى تأثرت بالحالة العالمية، فإن هناك عاملاً آخر أسهم في تفاقم الأزمة، وهو الإنفاق الحكومي المرتفع والتخفيضات الضريبية التي أدت إلى تآكل إيرادات الدولة.

الجيش يبيع الأرز

وفي السياق ذاته، سجل التضخم مستوى قياسياً بلغ 11.1 في المئة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، مما أسهم في تصاعد الأسعار حتى بات تحمل كلفة السلع الأساسية مستحيلاً بالنسبة إلى كثيرين. مما دفع رئيس البلاد إلى إعلان حالة طوارئ اقتصادية، ومنح الجيش مهمة تزويد المواطنين بالمنتجات الأساسية مثل السكر والأرز وبيعها بأسعار حكومية محددة لكبح ارتفاعها بتركيز مصدر توزيعها، لكن ذلك لم يغير شيئاً يذكر.

طوابير طويلة

وحسب تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، أصبح الوضع سيئاً للغاية، لدرجة أن طوابير طويلة تشكلت أمام مكاتب الجوازات بحثاً عن فرص مغادرة البلاد، إذ نقلت الصحيفة إحصائية مفادها أن واحداً من كل أربعة سريلانكيين، معظمهم من الشباب والمتعلمين، يريدون مغادرة البلاد.

من جانبه، حذر نائب محافظ البنك المركزي السابق ويجيواردينا، من أن معاناة الناس العاديين ستؤدي إلى تفاقم الأزمة المالية، التي بدورها ستجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إليهم. وأضاف “عندما تتعمق الأزمة الاقتصادية وتستمر إلى ما بعد جهود الإنعاش، فمن الحتمي أن تقع البلاد من أزمة توفير سيولة أيضاً”.

أزمة السماد، أزمة قرارات خاطئة

في سياق متصل، أدى القرار المفاجئ الذي اتخذه راجاباكسا في مايو (أيار) الماضي، الذي يقضي بحظر جميع الأسمدة والمبيدات الحشرية وإجبار المزارعين على التحول إلى منتجات عضوية من دون سابق إنذار، إلى ارتفاع في تكاليف الزراعة، بخاصة التي تعتمد على الأسمدة المستوردة، مما انعكس على قيمة الأرز بشكل كبير.

ديون البلاد تفاقم الأزمة

وليس التضخم في أسعار السلع الأساسية وفقدان موارد الإيرادات الحكومية بمفردهما من تسبب في الأزمة المالية التي تعانيها سريلانكا حالياً، إذ يعد عبء الديون الخارجية سبباً يضاف على سابقيه، فالبلاد مدينة للصين بأكثر من خمسة مليارات دولار، وحصلت منها على قرض إضافي في العام المنصرم 2021 بقيمة مليار دولار للمساعدة في أزمتها المالية الحادة، التي يتم سدادها على أقساط، ومن المتوقع خلال الـ12 شهراً المقبلة سيطلب منها سداد ديونها التي تقدر بـ7.3 مليار دولار منها ما هو محلي، ومنها ما هو أجنبي، بما في ذلك سداد قيمة السندات السيادية الدولية المقدرة بـ500 مليون دولار التي أصدرتها في يناير (كانون الأول) الحالي، الأمر الذي يعتبر إشكالية كبرى للبلاد التي بلغت احتياطياتها من العملات الأجنبية 1.6 مليار دولار فقط.

وللخروج من مأزق سداد الديون قررت الحكومة تسوية بعض ديونها بنظام مقايضة السلع. وقال راميش باتيرانا، وهو وزير في الحكومة “إنهم يأملون في تسوية ديونهم النفطية السابقة مع إيران من خلال دفع الشاي لهم، وإرسال شاي بقيمة خمسة ملايين دولار شهرياً”.

ونقلاً عن صحيفة “الغارديان” قال عضو البرلمان، هارشا دي سيلفا “إن احتياطيات العملات الأجنبية ستكون 437 مليون دولار خلال يناير الحالي، في حين أن إجمالي الدين الخارجي للخدمة سيكون 4.8 مليار دولار من فبراير (شباط) إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2022”.

من جانبه، قدم محافظ البنك المركزي أجيث نيفارد كابرال، تأكيدات علنية بأن سريلانكا يمكنها سداد ديونها “بسلاسة” لكن الرئيس السريلانكي قال “إن بلاده معرضة لخطر كبير بالتخلف عن سداد أقساطها، مما سيكون له عواقب اقتصادية وخيمة”.

وفي سياق متصل، لجأت الحكومة في الآونة الأخيرة إلى تدابير الإغاثة المؤقتة للتخفيف من المشكلات الاقتصادية التي تعانيها، مثل خطوط الائتمان لاستيراد الأطعمة والأدوية والوقود من حليفتها المجاورة الهند، فضلاً عن مقايضة العملات مع الهند والصين وبنغلاديش، والقروض لشراء النفط. ومع ذلك، فإن هذه القروض لا توفر سوى تخفيف قصير الأجل ويجب سدادها بسرعة وبأسعار فائدة مرتفعة، مما يزيد من عبء الديون في سريلانكا.

Back to top button