أريد استعادة عقلي وجسدي

May be an image of 1 person, book and indoor

وفاء أخضر

النشرة الدولية –

هل التحليل والبحث عمّا وراء السّلوك وعن معناه ينفع؟ هل علم النفس برمّته ينفع؟

لمَ الخوف؟ سأموت بحادث سيّارة عبثي ربّما، بجرعة سمّ مقصودة ربّما… أو كهلة متمسّكة ببقايا الحياة فيها… لا بأس! قهقهت بمرارة وأنا أتمتم: لماذا الانتظار؟ المضحك المبكي أنّي دوما أشكو الوحدة! من منّا ليس وحيدا؟

أكذب لو قلت أنّي ما عدت أخشى الشّعور بالوحدة؛ وأكذب أيضا لو قلت أنّي أنتظر من زوجي تغييرا ما. لا يعنيه أن يرى ما أرى ولا يعنيه كذلك أن يحاورني في ما يراه. يعشق الراحة والسّلام. بالنّسبة له، الكلام متعب، الشّوق متعب، والتحليل لا طائل منه.

_القصّة يا شمس أنّك تعشقين القصص والحكايات والثرثرة، وأنا متعب.

قال وسكت.

انتظرت أن يقول: تعالي أحبّك! أن يعتذر عن شتائم الصّباح، أن يش٧رح لي أسباب لامبالاته الدائمة بما يشغلني، أن يقول شيئا ما، أن يفعل شيئا ما وألّا يتركني وحدي.

ربّما أنا فعلا مخطئة؛ ثرثارة في الحبّ كمراهقة!

جسدي متخشّب، وكذلك مشاعري. أحتاج أن أشعر أنّي حيّة.

قلت له:

_هلّا تصغي إليّ؟ أنا أحتاج أن أشعرأنّك تحبّني وأنّي أحبّك لأمارس الحبّ معك. أحتاج أن أسمعها بوضوح أو بمواربة عبر لمسة، كلمة لطيفة، اهتمام بما أفعل، كلمة شكر وإعجاب… أحتاج ألّا أشعر أنّ ما بيننا هو مجرّد نزق جسد.

_ أنت زوجتي، ولو لا تعجبينني، ولو لا أحبّك، لماذا تزوّجتك؟ تتوقّفين دوما عند تفاصيل صبيانية تافهة…! أنا أستمتع بك ومعك.

قال هذا، واستلقى على السّرير، أدار ظهره، وغفا للتوّ!

الرّجال يستمتعون بسهولة…! مع مومس، مع أيديهم ومع صورة…! هل علينا نحن النّساء أن نتخلّص من فكرة أنّ الجنس مرتبط بالحبّ وبالشّخصية ككل؟ هل علينا أن نصدّق أنّ القصّة هي جسد متوتّرواسترخاء؟ هل وعيي مسكون بالتابوهات؟

الحقيقة أنا لا أخشى جسدي؛ ولكنّي  أخشى أن أصدّق أنّنا مجرّد هورمونات وجسد… من سأكون غدا؟ أو ماذا سأكون؟ كومة لحم مترهّلة عفنة!

لماذا لا يصغي إليّ؟

هو يحبّني بعد أن يمارس الحبّ معي، وأنا أحتاج أن أحبّه وأن أشعر أنّه يحبّني لأستطيع ممارسة الحب معه! لو نتحاور، لو لا يصمت، لو يهتمّ، لو لا أبكي وحدي، لو لا أحلّل وحدي، لو قال أيّ شيء، بدل ذاك الصّمت الثقيل…

هو متعب من كلّ شيء ومنّي ومن العالم ومن الحياة؛ يقول.

وأنا رغم كلّ شيء، عاشقة للحياة، ولممارسة الحبّ. ليته يفقه هذا، ليته لا يملّ بسرعة منّي ومن غنجي، ومن عقلي.

القصة ليست معقّدة وصعبة… ولكنّها تبدو فعلا صعبة!

كان الوقت ليلا؛ طفلتي البّكر تبكي كثيرا؛ وهو كعادته ينام آمنا مطمئنا أو هاربا… هل سمع صراخها؟

ملامح وجهه الغاضبة المنكمشة وشت بهذا .

دخلت غرفة الجلوس، وضعت طفلتي على الأريكة بعد أن حاولت بشتّى الطرق تهدئتها، دون جدوى. لم تنفع الهدهدة ولا محاولتي إرضاعها ولا تغيير حفاظتها، ولا مشاعري المستجدية البائسة…

وضعتها على الأريكة مستسلمة. لم أستطع أن أفعل شيئا لها أو لنفسي، عجزْتُ حتّى عن البكاء! حاولت أن أتذكّرني، أتذكّر تلك المرأة التي تعشق الرّقص والموسيقى والمعرفة والابتسام. كنت أمّا خائفة وحزينة فحسب. جسدي المهمل منذ أنجبتها، أو منذ حملتها في أحشائي، نسيته. نسيت الفساتين والعطر وشعري، بسبب المسؤوليات الماديّة والمعنوية التي أثقلت كاهلي. “عليّ قبل كلّ شيء أن أؤمّن لها احتياجاتها، أريدها في حالة اكتفاء ورضى.” لكنّها لم تكن كذلك!  تبكي كثيرا، رغم أنّها شغلي الشّاغل!

ربّما هي مثلي تعشق الموسيقى والابتسام… وهذا غير متوفّر في بيتنا منذ زمن لا أتذكّره.

-عليّ أن أستعيد وجهي وروحي وابتسامتي، لأجل ابنتي.

بحثت عن أغنية أحبّها.

مع الموسيقى التي تصدح كنت أبكي بشدّة، أبكي الفرح الذي غادرني وأحلامي وأضحك من كوني أحلّل كثيرا،أضحك وأتكوّم قربها. عليّ أن أنسى أسئلتي التافهة؛ لكنّها تقفز إلى سطح وعيي دون استئذان. نعم أنا أحبّها كثيرا، ونعم أنا بائسة كثيرا.

وجدتني أغوص في عوالم السؤال والمعنى… ربّما مشكلتي هي ذاتي. وحتّى لا أدينه، أو أدين العالم أو حتّى الظروف؛ أخذت أنبش في داخلي؛ و طفا ذاك السؤال:

-لماذا أنجبتها وأنا لا أعرف كيف أحتفظ بابتسامة واثقة على وجهي؟

لم أجد بيتا لي ولا وجها ولا دورا منذ كنت! لست زوجة صالحة؛ لم أكن ابنة بارّة صالحة؛ لا أتقن الكذب الثقافي؛ ذاكرتي خرقاء، لم تحفظ حتّى كلمات العزاء والتهنئة التقليدية… فاهي يفغر ودماغي يخرج منّي في معظم المواقف الاجتماعية. لا أعرف من أنا! لست امرأة عادية! لكنّي عادية وجدّا… و… و…

فجأة وجدته أمامي غاضبا، حانقا! أخذ يتأفّف من صوت الموسيقى العالي، ومن عدم إحساسي به وبتعبه…

حاولت أن أتجاوز هذياني، وتمتمت لنفسي:

عليّ أن أفهمه وأتفهمّه؛ وأردفت بغنج أبله:

_أنت تقليدي.

_ أنت مجنونة، تافهة! قالها وصفق الباب بقوّة.

سكتت، أو صرخت. لست أدري، هل قلت هذا له؟ أم قلته في نفسي؟

“أنا عاشقة للحياة، وأنت على هامش الحياة، شبح، صورة لهم، لما يريدونه منك… كلماتك حفظتها وتردّدها، حتى دورك كأب… تكرار مقيت لما يملونه عليك.”

لم أفهم لماذا كان غضبه شديدا… هل لأنّه يريدني أنثى شبقة مغمضة العينين بلا أسئلة؟

“لو احتضن رأسي بدل أن ينهرني”!

أردته صديقا لعقلي المتعب بالشّعور بالذّنب، وبالبحث عن معنى وهوية… أعرف أنّي لن أنجح يوما في أن أكون امرأة عاديّة.

المعيار الذي يضعونه، يؤكد أنّي ناقصة، فاشلة،غير جميلة، غير صالحة للحياة.

أردت أن أهرب من نفسي ومن تحليلاتي.

– “قل لي أنت جميلة وأنا أحبّك وسينتهي الأمر ”

قلت هذا لنفسي، ولم أجرؤ أن أقوله له. وفكرت أنّ لغته تختلف عن لغتي، كما قرأت في  كتاب “الرّجال يأتون من المرّيخ والنّساء من الزّهرة”

هو غاضب لأنّي بعيدة عن جسده منذ وقت لا أتذكّره! ربّما حاولت تأديبه، ليستسلم ويفعل أو يقول ما أحبّه وما أريده. لن يقولها على طريقتي. ربّما نهرني لأنّه ما عاد قادرا على هجراني لسريره وجسده! وبدل أن أبكي، عاندت مشاعري. وحاولت أن أتجاوز كلّ هذا. طفلتي غفت، وجسده يرتعش رغبة، أو غضبا. وجسدي يحتاج طمأنينة أكاد أنساها. لا أعرف ماذا حصل ولماذا شعرت بالتعاطف معه وقلت له بغتة:

“أنا جا هزة لأن أكون امرأتك وحسب… خذني بعيدا عن أنا”!

نظر الي باستغراب؛ لم يستطع فهم قفزتي المفاجئة. وهذا أعاده بعيدا،غريبا وربّما كريها؛ وأعادني إلى مشاعر الغضب، والبكاء.

_ أنت لم تحبّني يوما، تقارنني بأمّك وبكل النّساء. لست من النّساء، أوأنّك لست الرجل الذي أتوق أن أعود وأختبىء بين ضلوعه.

نعم انت محقّ. أنا مجنونة وتافهة، وأنت عاقل جدّا؛ فكيف على كتفك أنام؟

من رواية ( أنا أخطئ كثيرا)

زر الذهاب إلى الأعلى