الانتخابات النيابيّة في لبنان بين “الاستشراف التشاؤمي” وإرادة التّغيير
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

لن تؤدي الانتخابات النيابية المقبلة، حتّى لو سجّلت مفاجآت “استثنائية”، إلى التغيير الذي ينشده اللبنانيون وتفترضه الخطط الرامية إلى إخراج لبنان من الجحيم.

لا يمكن، بالاستناد الى تشخيص أسباب الكارثة اللبنانية، معارضة هذا “الاستشراف التشاؤمي”، لأنّ لبنان، منذ “تفاهم الدوحة” الذي كافأ “حزب الله” على “غزوة السابع من أيار (مايو) 2008″، أجهز نهائياً على مفهوم الحكم في النظام الديموقراطي القائم، ليس على معادلة “أكثرية حاكمة وأقلية معارضة”، بل على معادلة أكثر بديهية، حيث “الأكثرية تقرّر والأقلية تعارض”.

ولن يستطيع اللبنانيون الانقلاب على الشواذات التي أنتجها “تفاهم الدوحة” بعملية ديموقراطية تمثّل الانتخابات النيابية أحد أركانها، لأنّ هذه الشواذات أنتجها لجوء “حزب الله” الى السلاح ليفرض، بالعنف، ما حرمته منه الديموقراطية، وليس في لبنان، حالياً، طرف واحد يمكن أن يُراهن على عدم لجوء الحزب الى السيناريو نفسه، إذا أوجدت الظروف قوّة تريد إنهاء الشواذات وتطبيق القاعدة.

والأدهى من ذلك أنّ الطبقة السياسية مستعدة، من أجل “تجديد شبابها” وتالياً “تأبيد” نهج تحكّمها بلبنان، لأن تغيّر أشكالها وألوانها وأقنعتها، وليس أدلّ على ذلك سوى تأكيد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم، بعد أيّام قليلة على هجوم رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على “الثنائي الشيعي” وتوجيه اتهامات إليه بمنع قيام الدولة، وبتشجيع فئة لبنانية على عدم دفع المتوجّب عليها من ضرائب ورسوم، على أنّ الطرفين سيكونان معاً في الانتخابات النيابية و”نحن في حالة تعاون”.

ويكاد جميع المعنيين بالانتخابات النيابية يسلّمون بأنّ هذا الاستحقاق يمكن أن يحدث “بعض التغييرات” هنا وهناك، ولكنّه لن يؤثّر على قوّة “الثنائي الشيعي”، لأنّ تحالف “حزب الله” و”حركة أمل” يذهب الى العملية الديموقراطية بأدوات غير ديموقراطية، تفرض نفسها على وجدان وسلوك البيئة التي يتحكّمون بها.

ولكن…

كل الأسباب التي يقدّمها “الاستشراف التشاؤمي” صحيحة، ولكنّها غير منطقية، لأنّ التغيير المنشود في لبنان لا يقوم فقط على ركن الانتخابات النيابية، بل على أركان أخرى مكمّلة للانتخابات النيابية، أيضاً.

وهذا يعني أنّ الانتخابات النيابية، ولو أنّها لن تؤدّي بذاتها الى تحقيق الأهداف المرسومة، إلا أنّ الانطلاق نحو تحقيق هذه الأهداف مستحيل من دون تسجيل نقاط مهمة في الانتخابات النيابية نفسها.

إنّ رفع الصوت ضد سلاح “حزب الله” وضدّ تبعيته لأجندة “الحرس الثوري الإيراني”، وضد التأثيرات السلبية على علاقات لبنان العربية والخليجية والدولية، وضدّ الاستخفاف بالقرارات الدولية، وضدّ تحالف السلاح والفساد، وضدّ “ائتلاف الصفقات”، لا يكتسب أيّ مشروعية إذا لم ينطلق من انخراط وطني كبير في الانتخابات النيابية، لا يؤسّس لكتلة نيابية كبيرة تحمل هذه الأهداف فقط، بل يرسّخ توجّهات وطنية صلبة تحمي نفسها من الانحرافات المتوقّعة لبعض من سوف يتم انتخابهم، أيضاً.

ومن يتذكّر ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما سُئل عن أسباب سعيه الى الإنقاذ بالاشتراك مع أركان الطبقة السياسية اللبنانية، يعرف أن الانتخابات النيابية هي مفتاح للولوج الى قاعة الحلول.

يومها أجاب ماكرون، موجّهاً كلامه الى اللبنانيين: “مع من تريدونني أن أتحدّث، فهؤلاء هم من انتخبتموهم أنتم”.

وهذا يعني أنّ مستقبل لبنان منوط بالقوى التي سوف “تنتخبونها أنتم”، فهي التي سيتحاور معها المهتمون بالشأن اللبناني، وهي التي سوف تضع مطالبها على الطاولة، وهي التي ستبرز الوجه المرجو لبلاد الأرز.

إنّ الاستنفار الوطني العام لمصلحة الانتخابات النيابية ليس “مسألة وهمية” كما يحاول البعض تصويره، بل هو ضرورة ملحّة لفتح الأبواب الموصدة أمام التغيير اللبناني المنشود.

وفي هذا الاستحقاق الانتخابي، يبدو واضحاً أن نقاط الضعف أمام التغيير هي أقل بكثير من عوامل القوة، ذلك أنّ الأقنعة سقطت عن وجوه كثيرة، وأنّ الطبقات الشعبية التي تمّ تفقيرها “أوعى” من أن تجذبها الرشوة، وأنّ منهجية الزبائنية لم تعد قادرة على إنتاج مفاعيلها في ظل انهيار المداخيل، وأنّ المغتربين الذين تسجّلوا بكثافة نسبية لم يفعلوا ذلك إلا بسبب رغبة تغييرية جامحة تعتمل في صدورهم.

بالنتيجة، صحيح أنّ التغيير المنشود في لبنان لن تحققه نتائج الانتخابات النيابية وحدها، ولكنّ الصحيح أكثر أنّ الرحلة نحو هذا التغيير مستحيل أن تنطلق من دون اختراق حقيقي يُفترض أن تُحدثه هذه الانتخابات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى