اللجوء للأحذية ظاهرة بين النواب والسياسيين والإعلاميين
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
كان “مانشيت” الزميلة “السياسة” الأكثر صدمة صبيحة يوم الأربعاء 5 يناير 2022 حول ما دار في جلسة مجلس الأمة ووصفها بأنها “معركة عقل وكنادر”، بعد أن تحولت إلى جلسة لتبادل السباب والشتائم والتقريع والغمز واللمز والأخطر إلى الاشتباكات بالأيدي والعقال وأخيراً بالأحذية! وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها اللجوء إلى “الأحذية” للتعبير عن الرأي في برلمانات العالم أو في غيرها من المنابر سواء من نواب ممثلين للشعب، أو من السياسيين والإعلاميين أيضاً، ومهما يكن من أمر الجدل الدائر حول “المستوى الأخلاقي” لمستخدمي “القندرة” فالظاهرة بحد ذاتها مدعاة للانتشار بوسائل التواصل الاجتماعي ولدى الرأي العام كما النار في الهشيم.
قصة الأحذية مع رجالات السياسة تستدعي أولاً ما وقع مع الصحافي العراقي منتظر الزيدي الذي صفع الرئيس بوش على وجهه بالحذاء أثناء مؤتمره الصحافي في بغداد عام 2008، مما استدعى البعض لتبني المناسبة وتحويلها والاحتفال بها بيوم الحذاء العالمي في الرابع عشر من ديسمبر كل سنة “تقديراً لمكانته”! والحذاء في الموروث الثقافي عند العراقيين معروف، فإذا أراد شخص أن يبالغ في إهانة أحد لن يجد أبلغ من وصفه “بالقندرة”، ومن الحكايات المروية عن الزعماء السياسيين في العراق، حكاية “الهوسة” المشهورة التي تحولت إلى أغنية شعبية “نوري السعيد يا قندره.. صالح جبر قيطانها” وهي أهزوجة شاعت في أوساط الشارع العراقي عام 1948.
لقد دخل حذاء الزيدي موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد أن تقدم أحد الأثرياء بعرض 7 ملايين دولار ثمناً له! وكلما جرى الحديث عن “القنادر” و”الصرامي” و”الجزم” استحضرت الذاكرة شخصيتين تاريخيتين هما صدام حسين ونيكيتا خروتشوف، الأول ارتبط اسمه بـ”نعال” أبو تحسين ذاك المواطن البغدادي الذي انفجر غضباً في ساحة الفردوس يوم 9 أبريل 2003 ليعلن نهاية سقوط نظام الرعب والخوف، يومها أمسك “نعاله” بيده وصاح أمام الفضائيات “هذا دمرنا وقتل أولادنا”.
حوادث رفع الأحذية كثيرة، من أشهرها عندما وقف مرتضى منصور في استاد القاهرة الرياضي وعرضه أمام الجمهور وعصمت السادات عندما خلع حذاءه لزميله النائب أحمد عز في قاعة مجلس الشعب، ولعل أشهرها تدافع المصلين الفلسطينيين ورميهم بالأحذية وزير الخارجية المصري السابق أحمد ماهر في ساحة الأقصى بالقدس عام 2003 بعد اجتماعه بشارون أثناء اندلاع الانتفاضة.
والتاريخ مليء بالأحداث التي ارتبطت «بالحذاء» فالرئيس الإيراني محمد علي رجائي الذي كان رئيساً للوزراء في عهد أبوالحسن بني صدر أقدم في أول لقاء له مع رجال الصحافة في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك عام 1981على خلع «حذائه» ليواجه بقدميه العاريتين الصحافيين ليريهم آثار التعذيب في سجون الشاه. والأطرف من هذا أن نائباً يمنياً وجه رسالة عاجلة إلى رئيس مجلس النواب يشكو فيها سرقة حذائه وهو الحذاء الوحيد الذي يملكه، مما اضطره إلى الخروج حافياً من الجلسة، وقال “كيف يمكن لمجلس النواب أن يحافظ على مصالح الشعب، وهو لم يستطع حماية حذاء أحد أعضائه”!
يبقى “حذاء خروتشوف” الأكثر شهرة، فقد سبق الآخرين بتبوء مركز الصدارة لغرابته، فقد أذهل الناس عندما وضع حذاءه وبقوة على الطاولة التي كان يجلس عليها في الأمم المتحدة عام 1960.
عودة إلى مجلس 1963 وكما يذكر المعاصرون لتلك الفترة أنه عندما خاطب وزير الدفاع حينذاك النائب خليفة طلال الجري بعبارة “بن جري”، فأمسك أول رئيس لمجلس الأمة عبدالعزيز الصقر المطرقة وضرب بها على الطاولة ليلفت نظر الوزير بضرورة مخاطبته “بالأخ العضو” دون أي اعتبار لأي شأن آخر، وعندما حاول الرد لم تعط له الفرصة ليكمل الأعضاء مناقشاتهم، الواقعة تبرز “هفوة” بسيطة من أحد الوزراء، وكيف كان الرد عليها، كان هناك خطاب متبادل يتسم بالاحترام والتقدير بين النواب والوزراء وبين الأعضاء أنفسهم.
هناك مشادات تحصل في العديد من المجالس النيابية، آخرها كان في الأردن، وقد تتحول إلى عراك بالأيدي أو الكراسي وتصل إلى استخدام الأحذية كنوع من “العنف النيابي” وربما صارت هذه المظاهر جزءاً من فولكلور المماسة الديموقراطية.