في لبنان… طن الترابة يُباع بـ3 أضعاف سعره الرسمي و”الصناعة” تتهرّب
النشرة الدولية –
المدن –
يعمل معظم وزراء الحكومة اللبنانية، منذ توليهم مهامهم الوزارية وحتى اليوم، مروراً بمرحلة تصريف الاعمال، على قاعدة اتخاذ قرارات وتسجيلها في سجّل الإنجازات بصرف النظر عما إذا كان من إمكانية لتنفيذها أم لا. فتارة يُعلن وزير الإقتصاد والتجارة تسعيرة الخبز والطحين متفاخراً بضبط الملف، وطوراً يخرج وزير الصناعة ليدعو المواطنين إلى الإعتراض في حال شراء الترابة بأسعار السوق السوداء.
وفي الواقع لا الطحين يُباع بسعره الرسمي ولا الترابة كذلك، فكل المنتجات تخضع بشكل أو بآخر لإرادة بائعها، والتجار وحدهم من يحدّد الاسعار في السوق . أما الترابة على وجه الخصوص فالوزير يعلم، كما كافة وزراء الصناعة الذين سبقوه على الكرسي نفسه، بأن الشركات الثلاث التي تحتكر إنتاج وبيع الترابة في البلد تتحكّم بالاسعار.
ويكاد لا يلتزم تاجر بسعر الترابة الرسمي الذي يحدّده وزير الصناعة جورج بوشكيان بشكل أسبوعي. وهل يجهل فعلاً الوزير بوشكيان بأن طن الترابة يقارب سعره 10 ملايين ليرة في كافة المناطق اللبنانية؟ ألا يعلم وزير الصناعة بأن التجار يبيعون طن الترابة بنحو3 إلى 4 أضعاف سعره الرسمي؟ إن كان يعلم ذلك ولا يمارس سلطته الرقابية فمصيبة وإن كان لا يعلم فالمصيبة أكبر.
في شتى الاحوال يظهر وزير الصناعة في بيانه الصادر اليوم، كمن فوجئ بالحديث عن بيع طن الترابة بالسوق السوداء، وهو أمر مُحبط، إنما يؤكد انفصال العديد من الوزراء عن الواقع كلّياً، إما جهلاً أو إنكاراً متعمّداً كي لا يقال نفاقاً.
السوق السوداء للترابة
يبلغ سعر طن الترابة الرسمي 2850000 ليرة في حين أنه يُباع بأكثر من 3 أضعاف. وفي جولة سريعة لـ”المدن”على عدد من مراكز بيع الترابة في منطقتي البقاع والشمال تبيّن أن سعر الطن يفوق 9000000 ليرة لدى جميع التجار.
ولا بد من الإشارة إلى أن السعر الرسمي لا يشمل الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 11 في المئة والبالغة اليوم نحو 313500 ليرة من قيمة طن الترابة، كما لا يشمل تكلفة النقل التي تختلف بحسب البُعد الجغرافي ولكن مهما بلغت لا تبرّر سعر الطن في السوق السوداء.
وإذا ما حسمنا تكلفة النقل والضريبة على القيمة المضافة، باعتبار أن التسعيرة الرسمية للترابة محدّدة في أرض المعمل، من دون تكلفة النقل ولا الضريبة تبقى الاسعار مبالغ فيها ولا تُبرّر مضاعفة سعر الطن 3 أضعاف. فمن يراقب سوق الترابة؟
نسعر ولا نراقب
تعليقاً على المعلومات التي يتم تداولها عن بيع مادة الترابة في السوق السوداء باسعار خيالية واحتكارها من قبل البعض، أوضح بوشكيان في بيان له بأن وزارة الصناعة تعتمد إصدار جدولاً اسبوعياً بالسعر الرسمي الواجب اعتماده من قبل التجار والمواطنين والمعنيين. داعياً أصحاب العلاقة إلى ابلاغ مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة، في حال حصول اي مخالفة للسعر الرسمي المعتمد او اي عملية احتكار.
رمى وزير الصناعة مسؤولية المراقبة والمحاسبة على عاتق وزارة الإقتصاد، التي هي فعلياً مسؤولة عن مراقبة الاسعار. لكنها عاجزة عن ضبط كافة القطاعات لتدني قدراتها الرقابية بسبب ضعف الموارد المالية والبشرية.
وبحسب مصدر رقابي في وزارة الإقتصاد لـ”المدن”، فان “الوزارة لم تتبلغ اي شيء من وزارة الصناعة فيما يخص قطاع الترابة. فالجهاز الرقابي في وزارة الإقتصاد فوجئ بتصريح وزير الصناعة، ومن المرتقب أن يعقد اجتماع بين وزارتي الاقتصاد والصناعة يوم الإثنين المقبل للبحث في ملف الترابة.
لا تنسيق بين الوزارات
ويؤكد المصدر بأن الرقابة على السوق عموماً ومن ضمنها سوق الترابة، يجب ان تكون عملية تشاركية، فالوزارات تحيل كافة المسؤوليات الرقابية على وزارة الاقتصاد في حين ان الأخيرة مسؤولة في الوقت عينه عن مولدات الكهرباء ومحطات المحروقات واسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والسلامة الغذائية وغير ذلك عشرات الملفات. ويسأل المصدر من وزارة الاقتصاد “كيف يمكن للمراقبين ان يغطوا كافة الملفات ولا يتجاوز عددهم 80 شخصاً على مساحة لبنان، كما لا تغطي رواتبهم بدل نقل إلى الأماكن المقصود مراقبتها؟”.
في المقابل يؤكد مصدر من وزارة الصناعة بأن الوزارة تنتهي مسؤوليتها عند خروج طن الترابة من المعمل، بمعنى أنها غير معنية بالرقابة على التزام التجار بالتسعيرة الرسمية خارج المعمل ولا قدرة لديها لممارسة الرقابة، لافتاً إلى شح انتاج الترابة في الفترة الاخيرة وتقلص المعروض منها ما يبرّر ارتفاع الاسعار. وهذا أمر لا يعفي وزارة الصناعة من المسؤولية لا بل يضاعف مسؤولياتها تجاه توفير المادة وتحديد أسعارها.
ويلفت المصدر من وزارة الصناعة بأن تحديد السعر النهائي للترابة صعب باعتبار أن تكلفة النقل متغيرة بحسب أسعار المحروقات وبُعد المسافات. وهذا أمر يفتح الباب على العديد من التساؤلات حول مسؤولية الوزارات ومدى حرصها على حماية المواطن من استغلال التجار واحتكار الشركات، كما حول تخاذل وزارتي الإقتصاد والصناعة منذ بداية الازمة عن وضع آلية مشتركة لضبط سوق الترابة.
بالمحصلة، إذا كانت وزارة الصناعة ليست معنية بالرقابة على سوق الترابة، ووزارة الإقتصاد لا قدرة لديها على مراقبة كافة القطاعات، فمن يحمي المواطن من “السرقة” والإستغلال من قبل التجار ووكلاء الشركات وسماسرة الوزارات.