كان الرجال أعمدة المجالس.. والحل بالحل
بقلم: بدر خالد البحر

النشرة الدولية –

لقد قلنا منذ زمن إن السياسي الحصيف اليقظ هو من يتوقف أمام الأزمات ليستلهم منها العبر، ويتخذ التدابير لضمان عدم تكرارها، ولعل ونستون تشرشل اختصرها بمقولته «التاريخ يعيد نفسه لأن الحمقى لم يفهموه جيداً».

فمنذ العقد الرابع من القرن العشرين، مررنا بأزمات كحل المجلسين التشريعيين بالثلاثينيات، والحلين غير الدستوريين بمنتصف السبعينيات والثمانينيات، ثم المجلس الوطني، تلته نكبة الغزو وبعدها بعقد ونصف أزمة انتقال الحكم، ثم قضية الايداعات لنواب هزت مصداقية العمل السياسي، وقانون الصوت الواحد وثورة الشارع واقتحام المجلس والقوانين المكبلة للحريات، حتى وصلنا اليوم لحالة شبيهة بالشلل.

إن الذين يضعون اللبنات الأساسية لبناء الأمم هم قلة من الرجال يصيغون الأسس القانونية لتشييد كياناتها ويسطرون دساتيرها، وليس جموع البسطاء وملايين الأغبياء وغوغاء تحركهم المصالح والنعرات، وتسيرهم المشاعر والهفوات وعراك الأيدي والسكاكين و«الأحذية».

فأبو الدستور الأميركي بالقرن الثامن عشر كان جيمس ماديسون الابن. أما الدولة الفرنسية الخامسة، فصاغ دستورها ميشل ديبر بحكم شارل ديغول، وبدأ الدستور الإنكليزي بالقرن الثالث عشر بوثيقة «ماجنا كارتا»، وضعها بارونات الملك، حتى صارت جنباً لمبادئ دستورية، منها القوانين البرلمانية.. وهكذا.

الكويت أيضاً لديها هؤلاء الرجال، بدءاً من أول سلطة شعبية، مجلس الشورى 1921، ترأسه السيد حمد عبدالله الصقر، وصادف أمس تاريخ وفاته من عام 1930، ونائبه يوسف بن عيسى وعضوية هلال المطيري وأحمد ومشعان الخالد والرشيد والنقيب والغانم والرومي والمضف والبدر والحميضي، حيث زكوا ثلاثة من الأسرة ليختار أحدهم للحكم بعد وفاة سالم المبارك. ثم المجلس التشريعي الأول بالثلاثينيات برئاسة عبدالله السالم وبعضويات مشابهة لأعضاء الشورى، ثم التشريعي الثاني بزيادة ثمانية أعضاء، حتى وصلنا إلى المجلس التأسيسي 1961، برئاسة عبداللطيف الغانم ونائبه الدكتور الخطيب، والذي ولدت من رحمه لجنة صياغة الدستور برئاسة الغانم وعضوية يعقوب الحميضي وسعد العبدالله وحمود الخالد وسعود العبدالرزاق، خمسة وجهاء استعانوا بخبراء دستوريين فصدروا الدستور، ثم أول مجلس أمة برئاسة العم عبدالعزيز الصقر، لتبدأ مسيرة الديموقراطية بين شد وجذب وحل واستقالات، لرجالات كانت لهم هيبتهم وحصافتهم لتنضج التجربة السياسية، فتوالت الفصول التشريعية عبر ستة عقود، حتى وصلنا إلى العقد الأخير من الحياة البرلمانية، فرأينا العراك داخل المجلس، ليتبين البون الشاسع بين حاضر الفوضى وماضي الاتزان الذي يمكنك رؤيته بمضابط المجلس التأسيسي التي أشبه ما تكون بسيمفونية متناغمة من الرقي والمهنية رغم اختلاف الآراء.

فالسياسيون الدهاة تجدهم أحياناً بين الكواليس والمواربة مع الخصوم وبهدوء، فكيسنجر كان يذهب إلى باريس ليفاوض مبعوث فيتنام الشمالية، بينما كان يعتقد الساسة أنه في كامب ديفيد. أما عندنا، فهم من الوضوح والانكشاف السياسي المضحك في الولاء والعداء، من معارضة المصالح المكشوفة القادمة من تركيا، إلى بطل استجواب اللحظة الأخيرة، ومسرحية السحل التي استغربنا فيها منظر الهراوات غير المبرر بمقال كتبناه آنذاك، وهناك من دعا على الهواء لأشياء ثم انقلب عليها.

تبقى الإجابة لمن يبحثون عن السبب الرئيسي لما وصلنا الآن، وهي اختلاف الرجال بين الماضي الحاضر، فقديماً كانوا أعمدة تبنى عليهم المجالس، لذلك نعتقد أن الحل الآن بالعودة للأمة مصدر السلطات جميعاً لإعادة هيكلة الساحة السياسية، حل ذكرناه في مقال كتبناه منذ أربعة عشر عاماً بعنوان «الحل بالحل».

 

***

طلب منا مراراً كتابة شعر عن الوضع الحالي، فلسنا شعراء أصلاً، ولا القريحة تنفتح مع هول الواقع، لذا سنعيد نشر جزء من قصيدة كتبناها قديماً مع بعض التعديلات، بنظم حر متوازن التفعيلات، خالي الزحافات والعلل، بدأت ببحر الطويل ثم كسرت بالرجز:

تعالي في دُجى الليلِ وحدِّثينا

وعانقي الشوقَ الجميلَ وعانقينا

تعالي ولا تجعَلي الليلَ عُذراً

فحَسْبُ ظلامِه أن يَحتوينا

سأشعرُ في جَنبيك وَصْلاً

وأشعرُ أنك فينا تَشعرينا

سأهمسُ في أذنيكِ همّاً

رَجوتكِ فاحفظي سرّاً دفينا

إن الكويتَ قد راحتْ ووَلَّتْ

ووَلّى عنها رجالٌ مُخلصينا

تَهالكَ أمرُها وهي الثُّريّا

وصارَ وَضْعُها وَضعاً مُهينـــا

فجاءَ الذي قد عاثَ فينا…

فساداً لا يُقبَل عَقلاً ودينا

وتنهشُنا البقيةُ مثلَ الذئابِ…

وتَقطرُ أنيابُهم سُمّاً لَعينا

أبَيْنا أن نكونَ كما النِّعاج…

تُباعُ وتُشترَى حيناً وحينا

***

إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.

زر الذهاب إلى الأعلى