الفراغ الدستوري … الخطيئة المميتة
بقلم: المحامي جو عقيقي
النشرة الدولية –
الفراغ الدستوري هو الذي يقوم على تعطيل البعض من الآليات الدستورية من خلال عمل المؤسسات في الدولة ومن أهمها المؤسسات السيادية الكبرى كالرئاسة والحكومة والسلطة القضائية والبرلمان، ويصبح واقعاً نتيجة لغياب او لعدم وضوح نص دستوري يقوم بتحديد طريقة تسيير الدولة في حالة فراغ السلطة.
للفراغ الدستوري آثار وتبعات كبيرة وخطيرة على الدولة والشعب، نذكر منها التالي:
– الغياب التام لأي آثار قانونية للعديد من القرارات التي يتم إصدارها
– تتعطل المصالح العامة للمواطن اللبناني
– التبعات المالية والنقدية الخطيرة على الاقتصاد الوطني
– إمكانية الانفلات والهاجس الأمني
هذا الحال ليس جديداً على لبنان ولا مفاجئاً للبنانيين، الذين استسلموا لواقع مرير هو أن جميع المفاصل الكبرى منذ الاستقلال حتى اليوم يتم إنجازها في الخارج، بالتوافق بين الدول الكبرى.
وعليه أصبح أحد الخيارات وربما أكثرها سهولة، هو إبقاء كرسي الرئاسة فارغاً، سهولة هذه الخيار تعود إلى أنه لا يحتاج لإنجاز اتفاق أو تسوية، فهو يعتبر مساراً طبيعياً مما يرتب انتقال صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء مجتمعاً بحسب المادة /62/ من الدستور اللبناني.
لقد تكرّست بعد الطائف أعراف لا علاقة لها الدستور، جعلت الرئاسة الأولى ورئاسة المجلس النيابي ورئاسة الحكومة نوعاً من مراكز القوى المتعاونة تارة ومتنازعة تارة اخرى.
في المسألة الميثاقية، إن رأس الدولة ورمز وحدة البلاد والساهر على تطبيق الدستور، هو رئيس الجمهورية الذي ينتخب من المجلس النيابي وعرفاً من الطائفة المارونية.
فلا شك أمام هذا الواقع أن يشعر المسيحيون بغبن عندما تخلو سدّة الرئاسة من ان يفقدوا عدداً من الصلاحيات المؤثرة في إدارة الحكم والدولة.
أما الخوف أن يكون هذا الشغور أو الفراغ مؤثراً في السياسات الرئيسية في البلاد، فهذا أمر غير دقيق، لأن مجلس الوزراء يُدار بالتوافق وفيه توازنات تمنع احتمالات الهيمنة، وإذا حصل ذلك تعطلت الحكومة وبالتالي تًعلّق جميع القرارات.
من المعلوم ان هناك ضوء اخضر قد اعطي من الأطراف الإقليميين الفاعلين على أن ينتخب رئيس يكون مدخلاً إلى الحوار والوفاق الداخلي.
ان حظوظ التسوية غير مرتفعة في الوقت الراهن ولهذه الأسباب تتجه الأمور نحو فترة شغور ربما تكون طويلة بانتظار أحد حلّين، إنجاز تفاهم إقليمي – دولي جدّي أو التسليم من الأطراف المحليين باختيار رئيس بالتوافق فيما بينهم كما حصل في المرة السابقة، ويأتي بالتالي رئيساً لا يعكس فوزاً أو فشلاً لأي من الجبهتين الداخليتين.
ويبقى على عاتق السياسيين في لبنان، إيجاد “التخريجة” الشكلية والدستورية للالتزام بالتسوية التي تمّت، وفي حالتنا الراهنة من الواضح أن هذه التسوية لم تتضح معالمها حتى الساعة.
ان المواطن اللبناني يستشعر حالة من الاسترخاء واللامبالاة من قبل النواب الذين انتخبهم على اساس برنامجهم الاصلاحي، هذه الحالة تعود لإدراكهم أن رئيس جمهوريتهم لا يتم اختياره داخل قاعة مجلس النواب، بل في أماكن أخرى، تبعد آلاف الكيلومترات عن بيروت.
وهذا المواطن المغلوب على امره يدرك كذلك، أن طبخة اختيار الرئيس لم تنضج بعد، وربما مازالت تنقصها الكثير من المكونات الأساسية لتصبح جاهزة للتقديم، مما يحتم عليه التفتيش عن رزقه ومستقبل أولاده في مكان آخر يجد فيه الراحة والطمأنينة.
عسى ان تبدأ مآسي اللبنانيين بالانحسار بدءاً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب وقت ممكن وصولاً الى الدولة القادرة والقوية التي تلبي طموحات شعبها وتبعد عن شبابها اليأس وشبح الهجرة.