السياسة في خدمة الإنماء: مؤسسة ميشال ضاهر نموذجا
بقلم: نوال الأشقر
النشرة الدولية –
قد يعتقد الكثيرون، وأنا كنت واحدة منهم، أنّ النائب ميشال ضاهر مستثمر، عاد إلى بلده وأسس مصنعًا لصناعة التشيبس، إذ أن اسم ضاهر ارتبط بأذهان البعض، بهذه الصناعة تحديًدا. ذلك صحيح بجزء منه، فالرجل بالفعل أسس مصنعًا في منطقته بمواصفات حديثة تراعي أعلى معايير الجودة، وهو ما شهدناه بأم العين، وظّف العديد من اليد العاملة في البقاع، إضافة إلى مصنع مماثل لصناعة الشوكولا، وقدّم من خلال Daher Foods منتجًا لبنانيًا إلى الأسواق المحلية والخارجية على قاعدة “صنع في لبنان” بكل فخر.
لكن تبين لي ولكافة الزملاء لدى زيارتنا مؤسسته، أنّ القصّة أعمق بكثير من استثمار على أهميته، القصة تتعلق برؤية ميشال ضاهر لوطنه سواء عمل في الشأن السياسي أم لا، رؤيةٌ تقوم على الإنماء المناطقي وتمكين الفئات الإجتماعية، لتعويض بعض النقص في الخدمات التي يجب أن توفرها الدولة لمواطنيها، في الإستشفاء والتعليم وفرص العمل والبيئة وغيرها.
ليست المرة الأولى التي أزور فيها مؤسسة ميشال ضاهر قبل سنتين كانت زيارة مماثلة برفقة عدد من الزملاء الإعلاميين، وهذه بعض ملاحظاتي:
– في الفترة الفاصلة بين الزيارتين، لم تستمر المؤسسة بمشاريعها التعليمية والبيئية والإستشفائية والإجتماعية المتعددة التي عايناها عن كثب فحسب، بل وجدنا أنّها نفّذت مشاريع جديدة على أرض الواقع، بظل الأزمة الإقتصادية الحادة التي يعيشها لبنان…أبرز المشاريع الجديدة تلك الموجّهة إلى فئات المجتمع البقاعي : المرأة ، المزارع والشاب.
– مشروع أو برنامج “ADIRA ” للمرأة والمزارع معا: وهو عبارة عن إتاحة المجال للمرأة للإنخراط في الدورة الإنتاجية، وإنتاج المونة والغذاء، بمعايير تتطابق ومواصفات سلامة الغذاء وجودته. ولإنتاج المونة يتم شراء المحاصيل اللازمة من مزارعي المنطقة، فتستفيد الفئتان معًا.
– للشباب برامج متنوعة، لعل أهمها في الوقت الراهن، الدورات التي تقدّمها الأكاديمية الثقافية التابعة لمؤسسة ضاهر، للفئات الشابة، في مجال التكنولوجيا والتخصص الرقمي. من خلاها يتم تمكين الشباب غير القادرين على الإلتحاق بالجامعات، من التعلم والإنخراط بسوق العمل في الشركات، في مجالات العمل المطلوبة حاليا لاسيما computer science….
– هناك العديد من المشاريع الأخرى التي تنفذها المؤسسة، منها بيئي كتوجيه المزارعين لزراعات بديلة، كزراعة أشجار الغار على سبيل المثال، وغيرها من المزروعات غير الموسمية، التي تؤمن من خلال تصديرها مردودا بالفريش دولار. وهذا ما سمعناه من خلال محاضرة تزامنت مع جولتنا في المؤسسة. ومنها أيضا استشفائي، كالمستوصف الذي يؤمن بالتعاون مع وزارة الصحة بعض المتطلبات الطبية والإستشفائية، والذي يعاني حاليًا من النقص الكبير في الكادر الطبي بسبب هجرة العديد من الأطباء، وكانت مناشدة من السيدة مارلين ضاهر للأطباء بتخصيص بعض الوقت للمستوصفات في كل المناطق، نتيجة النقص الكبير في العديد. هناك أيضا العديد من المشاريع التي تمضي المؤسسة بتحقيقها، سواء بالتعاون مع المؤسسات الدولية، أو بشكل منفرد، لا مجال لذكرها الآن، لأنها تحتاج إلى مساحة كبيرة لشرحها، ويمكن للمهتمين والراغبين بالإستفادة من هذه المشاريع متابعة الموقع الإلكتروني للمؤسسة.
خلال لقائنا والسيدة مارلين ضاهر زوجة النائب ميشال ضاهر، التي تتابع كل هذه المشاريع بشكل يومي مع فريق عمل متخصص، ذكرت عبارة ربما تلخص رؤية ودور آل ضاهر: “يتهموننا أنّنا نترشح للإنتخابات النيابية..ولا يدركون أنّ ذلك ليس تهمة، بل فخر لنا، بأنّنا نقدم نموذجا في العمل في الشأن العام، قائم على العمل المؤسساتي الإنمائي الإجتماعي”.
لفتني أمران خلال جولتنا في المؤسسة وفي المصنع:
– أولا أنّ المؤسسة والمصنع تؤمن احتياجاتها من الكهرباء من خلال نظام الطاقة الشمسية، الذي كان النائب ميشال ضاهر في المجلس النيابي نادى باعتماده، وطلب أن تقوم الدولة باستثمار مشاعاتها في البقاع وغيره من المناطق في الطاقة البديلة، لتأمين الكهرباء ووقف الهدر الكبير عبر مؤسسة كهرباء لبنان.
– ثانيا: أنّ برامج التوعية التي تقدمها المؤسسة للفرز من المصدر تطبّقها فعلا في كل المباني العائدة للمؤسسة والمصانع.
أكتب هذه الأسطر على صفحتي الخاصة لأقول: الفساد الصفة التي اتسم بها العاملون في الشأن العام في لبنان لا يمكن تعميمها حتما، ومعادلة “كلن يعني كلن” بمنتهى الغباء واللا واقعية، كونها أعفت المرتكب الحقيقي، ووضعت البنّاء والهدّام بسلة واحدة.
في لبنان شخصيات، عملت في الشأن العام أو لم تعمل، أثبتت قدرتها على بناء الوطن حجر وبشر، وهذه الشخصيات موجودة في مناطق عدة، منهم ميشال ضاهر في الفرزل- البقاع، وآخرون في مناطق أخرى، يعملون في مؤسساتهم من دون ضجيج، محاولين تعويض غياب الدولة، ولي الفخر أن أتحدث عنهم وعن رؤيتهم. مقابل الشخصيات التي تبني، هناك شخصيات أخرى أثبتت قدرتها الهائلة على التدمير، ولعل هدر 43 مليار على الكهرباء، ونحن نعيش العتمة، أبرز دليل.
بالختام، لعل في من يبني ويستثمر ويستمر بتقديم الخدمات سرا من أسرار صمود أبناء هذا الوطن، بوجه واحدة من أسوأ الأزمات الإقتصادية في العالم.