العلم.. سيد الأكوان
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
ماذا الذي ستشعر به وأنت ملقى على ظهرك عارياً في غرفة العمليات، محاطاً بعدد كبير من الأجهزة المعقدة وشاشات المراقبة والمصابيح الضخمة المبهرة الأنوار وجيش من الممرضين والأطباء يتحركون بنشاط من حولك، ورئيسهم يمسك بمشرط حاد، ويقول لك بأنه سيقوم بشق صدرك، بعد تخديرك، ويستبدل بقلبك المتعب آخر جديداً؟
لم تشعر غالباً إلا بخوف بسيط، وستتمتم ببعض الأدعية وتشكر الطبيب، وتلتزم الصمت.. لثقتك بالعلم، فالعلم سيد الأكوان!
***
هذا العلم، والفضول البشري هما اللذان دفعا الغرب إلى تسخير جهود آلاف العلماء، وصرف تريليونات الدولارات على مدى أكثر من نصف قرن بغية كشف أسرار الكون، فصنع الصاروخ تلو الآخر، وطور التلسكوب، وفعل المستحيل ليرضي شغفه بالمعرفة.
***
الفلسفة أو الروح المتقدة وراء إرسال تلسكوب «جيمس ويب» الشديد التعقيد، والمكلف بشكل غير عادي، والذي أخذ عشرات السنين لبنائه وتجربته، وملايين ساعات العمل من وقت مئات العلماء الأفذاذ في عدة دول، هي نفس الروح التي سبق أن أوقدت روح التساؤل في أفئدة علماء كبار مثل «كوبرنيكس وغاليليو ونيوتن وأنشتاين» ومئات العباقرة، الذين تحدّوا رأي الجماعة و«المتفق عليه»، وقرروا الخروج عنه، فأعطوا البشرية معنى وبعداً جديدين.
فمنذ البدء والإنسان يحاول فهم أسرار الكون، متمعناً في السماء مراقباً النجوم، متسائلاً عن أسرار الكون والشك في «البديهيات»، ورفض مركزية الأرض في الكون، وكان لكوبرنيكوس وأفكاره الفضل الأول في ذلك، ثم جاء غاليليو بتلسكوبه، ذي العدستين، وغيّر فكرنا عن الكون إلى الأبد.
***
وجاء عام 1990 بتلسكوب هابل Edwin Hubble، الذي بلغ حجم عدساته 100 بوصة، وأثبت بعد مراقبة استمرت لعدة عقود، أن الفضاء يمتلئ بمجرّات أُخرى كثيرة جداً، وأكبر بكثير مما كنا نظن، وأنه يتمدد، من خلال تطاير المجرات مُبتَعدة، مما يعني أنها كانت، قبل مليارات السنين، متقاربة، والانفجار العظيم كان السبب في تطايرها.
كما تبيّن، مع الوقت، أن تلسكوب هابل لا يرضي الفضول المعرفي لدى العلماء، وأن من الضروري التفكير في مشروع أكبر وأعظم، فجاء مشروع تلسكوب «جيمس ويب James Webb Space Telescope آخر مشاريع الغرب الضخمة والمكلفة جداً، والذي جاء نتيجة تعاون أميركي كندي أوروبي، وبتكلفة تجاوزت عشرة مليارات دولار، بمرآة مجزأة ذات قطر يبلغ 6.5 أمتار، مزودة بخمسة ألواح تعمل دروعاً تحجب ضوء الشمس وحرارتها عن التلسكوب، لإبقاء المرآة ومعداتها العلمية في درجة حرارة لا تقل عن 220 درجة مئوية تحت الصفر، والذي أطلق للفضاء في ٢٥ ديسمبر الماضي، ليعمل على ارتفاع مليون ونصف المليون كيلومتر، بعيداً عن الأرض، وليقوم، ولأول مرة في تاريخ البشرية، برصد الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من المجرّات الموغلة في البعد والقدم، والتي تكونت قبل أكثر من 13 مليار سنة، مع بدايات نشوء الكون، بغية قراءة معانيها، التي لا يستطيع تلسكوب هابل أن يلتقطها، وهذا ما سيقوم به «تلسكوب جيمس ويب»، الأقوى من هابل بمئة مرة، الذي بإمكانه أن يجمع كمية من الضوء بمليون مرة أكثر من العين المجردة. وربما سيتمكن الإنسان في نهاية الأمر من الإجابة عن أسئلة طالما حيرته مثل هل نحن وحدنا في هذا الكون؟ وهل هناك كواكب أخرى شبيهة بالأرض؟
ولا أدري إن كان عقلنا الشرقي، خريج مدارسنا الحكومية، بإمكانه استيعاب هذا الكلام وهذه الأرقام؟
***
في خضم كل هذا الصراع العلمي ماذا فعلنا نحن؟
قامت دار الإفتاء المصرية بإصدار مليون و386 ألف فتوى خلال عام، وقام الداعية الكويتي، صاحب الكرسي الأحمر، بإصدار فتوى حرم فيها ارتداء الملابس التي تحمل صليباً، وأجاز ارتداء الجوارب التي عليها صليب، لأن الجورب «مهان»!
ملاحظة: الجميل في الموضوع أن «جميس ويب 1906 – 1992»، ليس عالم فضاء، ولم يساهم في صناعة برغي في التلسكوب، الذي يحمل اسمه، بل خُلِّد للأبد لدوره العظيم في إقناع حكومة كنيدي بتمويل مشاريع الفضاء!