المقاومة اللبنانيّة المطلوبة
بقلم: خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
لم يتغيّر شيء في لبنان وذلك منذ استطاع “حزب الله” وضع يده على البلد وبات الطرف الذي يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة، كما بات من يقرّر ما اذا كان مسموحا تشكيل حكومة وما اذا كان لهذه الحكومة الحقّ في ان تجتمع ام لا. قبل عامين، مباشرة بعد اغتيال إدارة دونالد ترامب لقاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، كتبت مقالا صدر في “العرب” يتحدّث عن اهمّية هذا الحدث وانعكاسه على لبنان. جاء في المقال: ما لا يخفى على أحد أن “حزب الله” ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. وعندما كان قاسم سليماني يزور بيروت وأي منطقة في لبنان، إنّما يأتي لتفقُّد قوات صديقة تعمل ضمن الإطار نفسه الذي يعمل فيه “فيلق القدس”. من هنا، ليس مستغربا أن يتحدّث حسن نصرالله عن مفهومه لـ”القصاص العادل” رداً على اغتيال قاسم سليماني وأبومهدي المهندس نائب قائد “الحشد الشعبي” في العراق. لا يأخذ هذا المفهوم، الذي يدعو إلى “إخراج القوات الأميركية من كلّ منطقتنا”، في الاعتبار أي مصلحة لبنانية. يبقى الاقتصاد اللبناني وأرزاق اللبنانيين آخر همّ لدى “حزب الله”. كلّ ما هناك أن الأمين العام لـ”حزب الله” ينفّذ أجندة إيرانية ولا شيء آخر. ينفّذ هذه الأجندة
بغض النظر عن طبيعة العلاقة القائمة بين ميليشيا حزبه، أو الحزب – الميليشيا، و”فيلق القدس” وما إذا كانت العلاقة مجرّد تنسيق بين طرفين تابعين لإيران يشاركان في حروب عدّة تدور في المنطقة، خصوصا في سوريا واليمن… أو أكثر من ذلك بكثير. هل في استطاعة حكومة تُشكَّل عن طريق هذه المجموعة وتعتمد المحاصصة في ما بينها الإقدام على أيّ خطوة تؤدي إلى تغيير في الموقف الأميركي من لبنان أو إلى إعادة مدّ الجسور مع الدول العربية القادرة على توفير مساعدات للبلد كما كان يحصل في الماضي؟… حسناً، يمكن أن ننسى أميركا، كما يمكن أن ننسى أوروبا التي أبدت في الماضي إستعداداً لمساعدة لبنان. كذلك يمكن أن ننسى الدول العربية القادرة، لكن ما لا يمكن نسيانه هو سؤال في غاية البساطة. من البديل من أميركا وأوروبا والدول العربية القادرة على مساعدة لبنان شرط أن يعود إلى ما كان عليه، أي إلى دولة عضو في جامعة الدول العربية وليس صوت إيران في اجتماعات مجلس الجامعة؟…
في غياب أي جوابٍ مُقنِع عن هذا السؤال، باستثناء كلام “حزب الله” عن الصين أو السوق العراقية، أي عن أوهام ليس إلّا، يبدو لبنان في طريقه إلى كارثة حقيقية. من كان في حاجة إلى تأكيد لذلك لم يعد في حاجة إلى مثل هذا التأكيد بعد الخطاب الأخير لحسن نصرالله (خطاب الردّ على اغتيال قاسم سليماني) وبعد تصرّفات رجالات “عهد حزب الله” من كبار المسؤولين إثر تصفية الأميركيين لقاسم سليماني وأبومهدي المهندس ورفع صور قائد “فيلق القدس” على طريق مطار بيروت. باختصارٍ شديد عاقَب لبنان نفسه عندما فات كبار المسؤولين أنّ الانضمام إلى “محور الممانعة” يعني بين ما يعنيه تعرّض لبنان لقصاصٍ قد يكون عادلاً كما قد لا يكون، لكنّه قصاص فعلي يطال مستقبل كل لبناني. (هنا ينتهي المقال)
بعد عامين على المقال، تحقّق الاقتصاص من لبنان. لم تكن الحاجة في شهر كانون الثاني – يناير من العام 2020 الى فكر عبقري لتوقّع ان لبنان يسير في اتجاه وضع مأساوي وذلك بعد سرقة المصارف لودائع اللبنانيين والعرب والأجانب وقبل اشهر قليلة من تفجير مرفأ بيروت وتدمير جزء لا بأس به من العاصمة اللبنانيّة.
ما يشهده لبنان اليوم نتيجة مباشرة لوضع “حزب الله” يده على لبنان. اغرب ما في الامر ان رئيس الجمهوريّة ميشال عون وصهره جبران باسيل، أي الثنائي الرئاسي، يستغربان عدم انعقاد مجلس الوزراء. متى يتمكن ميشال عون وجبران باسيل من استيعاب معنى وصول رئيس الجمهورية في لبنان الى الموقع الاوّل في البلد بواسطة سلاح “حزب الله”، لا يعود هناك ما يدعو الى الاستغراب. يصبح طبيعيا تعطيل عمل الحكومة اللبنانيّة ما دام “حزب الله” يصرّ على “قبع” القاضي طارق بيطار المكلف التحقيق في تفجير مرفأ بيروت.
سيدفع لبنان الثمن تلو الآخر منذ صارت ايران تقرّر منذ العام 2016 من رئيس الجمهوريّة فيه. ليس الانهيار الذي لا حدود له الذي يشهده البلد حاليا سوى نتيجة طبيعية لرفض ميشال عون وجبران باسيل الاعتراف بانّ هناك ثمنا لا بدّ من دفعه في مقابل الخدمة التي قدّمها لهما “حزب الله”. في النهاية عطل الحزب مجلس النوّاب اللبناني سنتين وخمسة اشهر قبل ان يقتنع الجميع في لبنان، باستثناء عدد من العقلاء، بانّ لا خيار آخر غير انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهوريّة.
هناك ما هو ابعد ذلك. هناك انتقال للبنان من دولة عربيّة الى دولة تدور في الفلك الإيراني. في عهد ميشال عون – جبران باسيل، الذي سمّى نفسه “العهد القويّ”، لم يعد لبنان سوى ورقة ايرانيّة لا اكثر. تعتبر بيروت التي تزيّن الطريق الى مطارها صور قاسم سليماني، ثاني اهمّ مدينة للحوثيين بعد صنعاء!
كلّ ما يمكن قوله الآن ان مصير لبنان صار مرتبطا بمصير النظام في ايران. هل في استطاعة لبنان فكّ ارتباطه العضوي بإيران؟ الجواب عن هذا السؤال انّ ثمّة حاجة الى الحديث يوميّا عن الاحتلال الإيراني وعن خطف ايران للبنان بواسطة “حزب الله”. لا فارق بين بلد محتلّ وبلد مخطوف. بكلام أوضح، ثمّة حاجة الى قيام مقاومة لبنانيّة من اجل لبنان وليس من اجل المتاجرة بلبنان كما يحصل منذ حلول السلاح الإيراني مكان السلاح الفلسطيني مباشرة بعد خروج المسلّحين الفلسطينيين من لبنان صيف العام 1982.
تبدو الطريق امام استعادة اللبنانيين للبنانهم طويلة ومعبّدة بالأشواك. المهمّ ان تدرك أكثرية اللبنانيين ان البداية تكون بتسمية الأشياء بأسمائها. لا فارق بين لبنان المخطوف ولبنان المحتل…