اوسلو، بين جدل الزِّنا (المناضل) و ( النضال) الزاني
بقلم: الدكتور سمير محمد ايوب
النشرة الدولية –
إضاءة على فلسطين المحتلة.
تَزامَنَ ظهورُأشكالٍ من “النضالِ الجنسي” المفضوحِ ، في صفوف بعض الأوسلويين ( المتصهينين منهم، ومنهم المنتسبين لفلسطين )، مع بُروزِ التطبيقاتِ التفاعليةِ للتفاوضِ، على ضِفاف أوسلو هُنا وهُناك.
من هذه التطبيقاتِ: رِعايَةُ كثَرةٍ من القَوَّادينَ الدوليين لِلزناةِ “المناضلين”. تَجسدتْ في تفاصيلَ كثيرةٍ. منها، ترتيباتٌ مكانيةٌ، بكل معاييرِالرفاهيةِ مُريحةٌ. منها قصورٌ رئاسية، ومنها فنادقُ ملوكية. أتاح أمْنُها وأمانُها السري، وقتا متطاولا لِصنعِ وتشكيلِ وتلوينِ، مُحتوى غرائزياً ديناميكياً عند بعضهم. وحدد لهم طُرُقَ ومَواقيتَ السِّقايَةِ والرِّفادةِ، حَدَّ الأشباعِ والأرواءِ والبَطَرْ السفيه.
عُهْرٌ، توهموا انه سيمكنهم من نقل الصراع الوجودي، المتمدد في فلسطين العربية وما حولها، من غُبارِ الخنادِقِ وأزيزِ الرصاصِ ودُخانِ البارود، الى الفنادقِ وطَنافِسِها، والى عبق آهاتٍ مِغناجةِ في ثناياها المحروسة.
أظن وليس كل الظن آثم، أن فَيْضَ وإشراقات الدفء فيها، مَكَّنَهُم لا بارك الله فيهم، من إتقانِ عملياتِ التعرفِ، على مُنحنياتِ وتَضاريسِ أجسادِ بعضهم البعض، هِضاباً وتِلالاً وأغوارا، بدلا من تعميقِ معرفتهم بجغرافيا فلسطين المحتلة، أو أشواق الجبارين من أهلها العالمين في تحريرها، للعودة الى كل حبة تراب فيها، بكرامة التحرير بالقوة، لا بذل الأستجداء والأنحناء والتفريط العاجز او الصامت.
استخدم الزناة قَبَّحَهُم الله، بدلاٍ من مخزونِ القُوة بكل أشكالها، المُنشطاتِ الجسدية وهلوساتِ لغاته وإيماءاته، في منظوماتِ الأغواءِ للأيقاعِ ببعضهم ،عبر مساقاتٍ عمليةٍ مُوثقة بالصوتِ والصورة. وسناريوهات قَوْلِيَّةٌ سَرَقَتْ فيما سرقت، الكثير من عباءاتِ الوطن. وكالعادة كان كله باسم النضال . وما يزال جُلُّه على عينك يا فاجر.
ولكن، وللحق أقول: لست أدري إن كان ذاك العهرُ التبادلي، من النوع الاستهلاكي العابر، ام من النوع الأنتاجي المُستدام. جُلُ ما أود قولَه الآن هنا، أن بموازة ذاك الزنى، ظهر في حينها، مصطلح ” النضال الزاني والنضال المَزْني به “. و تناسلت حَولً مُقتضياتِ حَكاويه وتبَعاتِ بلاويه، كَثرةٌ من النقاشات المُتبانية. ولا يزال جدل المُصطلحات حتى الساعة، يثير قدرا من الغموض والإلتباس الأخلاقي والسياسي، ناهيكم عن الغموض الشرعي والوطني فيه.
حيث إتجه بعضُ دَهاقِنة المدققين المُوَثِّقين، إلى إعتبار حَرْثُ العُهْرِ الجنسي بين بعض المتفاوضين، نقلةٌ ثوريةٌ نوعية، تُواكِبُ العصر. وتُضاف الى الموروثِ البشري في تقنيات النضال الوطني، من اجل تحرير شكلاني، وبناء سلطاتٍ مُفرَغَةِ ورفاهِ الكفاف الوظيفي. في حين يراه دهاقنةٌ آخرون، مجرد أداة من أدوات القوة لمن خارت عزائمُهُم مُبَكِّراً (ان كان لهم في الأصل شئٌ من عزم ) . ويرون فيه فلسفةً لا وطنية ، ونظام مقايضة سياسية تجارية، تستوطن مثل المستعمرات، شِباكِ أوسلو، للوصال والتواصل.
من جهة أخرى، للأسهام في بناء معرفة حول هؤلاء الزناة وفضاءاتهم ، أقترح التعرف على كبيرَهُم الذي عَلَّمَهُمْ سِحْرَ العُهْرِهذا. عَلَّنا نبصق بالفم الملآن في وجهه ونحن نقول له بلا تَأتأةٍ: قِفْ ، في لُجَّةِ صراع الوجود مع العدو، أنت الزاني الأكبر. وضمير المخاطب ” أنت”، يُحيلُ هنا إلى الكبار بالمناصب المُغْتَصَبَةِ والألقابِ الورقية، لا الكبار بالنضال أو بالخلق أوالعلم أو الايمان، ولا حتى من السابقين الأوائل بل من التابعين. الزاني الأكبر فيهم، شخصيةً إستثنائيةً في الزمن الأوسلوي المتعفن. حاولت ولا تزال تحاول عبثا، مع غيرها من المندسين المتسلقين في المشاهد اليومية، وبطرق موسادية مُلتوية، تعهيرَالوعي الجمعي الفلسطيني، المُمانِع والعَصِيِّ على التدجين.
و في ظل تزايد أعدادِ المُشتبكين على ضِفتي الزنا “النضالي “، يسعى الزناة وبعض عمال التراحيل، في فرق التطبيل والتزمير مدفوعة الأجر المُسبق بالشواقِل، إلى مقاربة مسائل هذا العُهر، بإشكالياتِ التبرير الأنكاري والأتهامي، والأتكاء على الموروث النضالي العظيم للشعب العربي الفلسطيني، والمراهنة على النسيان الجمعي لآثامهم.
و مما يسترعي الأنتباه هنا، أن البحث في قلوب القابضين على جمر المعاناة، من اهلنا فوق أي تراب عربي، عن مُصطلحٍ يُكَيِّفُ تلك الآثام ، أوالبحث في قلوب مَنْ ما تزال أصابعهم على الزناد في كل الخنادق، أوفي قلوب المُغَيبَّين بالقهر في معتقلات العدو، أوفي ثنايا كل قطرة دمٍ لجريحٍ او شهيد، سيتمخض بالقطعِ، عن أكثر من اللعناتِ، التي تصف هذا ” العهر النضالي ” ولا تليق إلا به.