بعضٌ من السَّفَر الأخير… وكان اتِّصال
جُمانه السِّبلاني
النشرة الدولية –
بعضٌ من السَّفَر الأخير …
وكان اتِّصال ..
مناسبةٌ للتعرُّفِ على الآخر، الآخر المُتاح على النّظر والمتعذّر على الفهم بِمَشهَدٍ خالٍ من العُنف والإثارة، أكثر قُرباً إلى اللامُبالاة ، ولكن كيف …
نمارس الحياة !!! الحياة اليومية !!! نراها روتينيّةً مُمِلة، نتحرّك فيها بِخَطٍّ وخِطّةٍ وخُطُواتٍ مرسومة وكأنّنا فِئرانُ اختبار ندور على مدار السّاعة منذ الصّباح إلى الزّوال الّذي ننتظرُ حلوله بفارغ الصّبر . نضع رأسنا على الوِسادة ونبدأ بأحلام يقظة، كلٌّ حسب عمره وعلمه وعمله وكأنّنا واثقون بأنّنا سنفيق في اليوم التّالي من موتنا المؤقّت ..
الغريب في الأمر بل الأغرب كيف نُصبح بعد بِضعِ سنين غرباء بعضنا عن بعض تحت سقفٍ واحدٍ قد تجمعنا فيه طاولة غداء أو حفلة شِواء أو فنجان قهوة ..
وننطلِق كلٌّ إلى فضائه فتُلغى الرّقابة و نسمح لأنفسِنا السّماح المُطلق بفعل ما نحب ونشتهي وكأنّنا حتماً عائدون إلى الخط الروتينيّ المرسوم لنا في أُسرتِنا ، خط الثّواب والعِقاب ، الصّح والخطأ، ناسين أو مُتناسين
الحقيقة الوحيدة التي هي نهاية الطّريق ، الموت …
رأيتُها بشكل مُباغِتّ غير متوقع، شأن كل ما كان يفاجئني به خيالي حين كنت حيّةً أُرزَق في الحالات المماثلة، على نحو يجعلني أفكر في الأمر لأيامٍ طِوال ..
رأيتُها تعيش حياةً بلا بصيرة ، تنظُر .. لكنّها لا ترى!.. تسمع .. لكنّ دون إصغاء!.. حاولت إخبارها أن:”احذري، لا تذهبي .. ” ولكن كيف لها أن تسمع استغاثتي واستماتتي؟ كيف أثنيها عن الذّهاب …
كنتُ أكثر من إنسانة بفطرة وحواس سمَت على المعرفة التي تأتي عن طريق المنطق أو الاستنتاج …
اقترَبتُ .. تكلَّمت .. رفعتُ صَوتي .. صرخت .. لم يحدث شيء، طبعا فهي لا تراني .. كنسمةٍ من الهواء المنعش غُصتُ في داخلها، اخترقتها من جانب إلى جانبٍ بلطفٍ كبير .. لم تشعر بي ….
أعدتُ الكَرّة، لم يحدث شيء ..
وقفت في طريقها محاولة منعها من التقاط مفاتيحها عن منضدة عليها مرآة .. شكرت الله كثيراً أنها لم ترَني …
كان المشهد مرعباً، ولكن لا يهم … يجب أن أجد طريقة ما أقنعها فيها بالعدول عن الذهاب ..
رأيت فيه ما لم تره هي …
رجلٌ خمسينيٌّ ، دغدغ فيها لوثة الشُّهرة أخبرها بأنه سيناقش معها بعضاً من كتاباتها في مكتب الشركة، وربما يطبع لها كتاباً أو ديواناً أو ملحمة حتى . جعلها تصل للنجوم إذ كان يدّعي أنه يملك تلك الشركة للطباعة والنّشر في ضاحية من ضواحي العاصمة ..
لعبت وسامته دوراً كبيراً في استدراج الكثيرات، بالرغم من فظاظة كلامه ورُعونةِ أقواله وصوته المتهدج ادِّعاءً للفكاهة وخِفّة الظِّلّ … كانت له ابتسامة ذئب يتحيّن الانقضاض على فريسته..
أما هي في عمق طبيعتها ومكامن نفسها لم تعرف يوماً معنى تقدير الذّات إذ كانت دائماً حرفاً ناقصاً وأحياناً كثيرة نكِرَة ..
تعاملت مع الآخر بكل ما يمليه عليها الواجب بعبقرية ربما أو بجهلٍ تام لحقوقها أمام مطالبه أي الآخر والآخرين جميعهم …
وقفتُ أمامها وصفعتُها لكن يدي مرت من خلال وجهها كالهواء..
كنتُ شبحاً لا حول لي ولا قوة ..
وانطلقَت في طريقها للِّقاءِ المشؤوم..