“خريف” أردوغان المعاند في “شتاء الغضب”
بقلم: رفيق خوري
أقل ما تطالب به أحزاب المعارضة الذهاب إلى انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة وأحياناً فورية لكن الرئيس التركي يرفض
النشرة الدولية –
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتراجع خارجياً بعد أن اصطدم بكل الجدران، ويصر على العناد داخلياً، وسط انهيار الليرة، واشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، اصطدم بالجدران الأوروبية والأميركية والعربية، وتحاشى الاصطدام العنيف بالجدار الروسي بعد إسقاط قواته طائرة حربية روسية تعمل في سوريا. حاول إعطاء درس في القانون والديمقراطية لألمانيا أيام المستشارة الرائعة أنغيلا ميركل، قبل أن يطلب الود، وصف الاتحاد الأوروبي بأنه مصاب بـ”العمى الاستراتيجي”، ومهووس بـ”العداء للإسلام”، وهدّد بالتوقف عن الدق على باب النادي الأوروبي، قبل العودة إلى الاعتراف بأن “أوروبا هي مستقبل تركيا”، بكى على سقوط سلطة “الإخوان المسلمين” في مصر، واحتضن “الإخوان” في إسطنبول وأعطاهم حرية التهجم على بلدهم، وحين فشل رهانه على المشروع “الإخواني التوسعي”، لجأ إلى التضييق عليهم لتسهيل مفاوضاته مع القاهرة من أجل استعادة العلاقات.
هاجم السعودية، وأرسل العسكر التركي إلى قطر خلال الخلاف السعودي – الإماراتي – البحريني – المصري، معها، وحاول توظيف قصة جمال خاشقجي في ألاعيبه، ثم عاد يطلب القرب، وسيزور المملكة في فبراير (شباط). هدد أميركا وحلف “الناتو” بإخراج القوات والأسلحة المتمركزة في قاعدة “إنجرليك” التركية، وأصر على شراء صواريخ “إس-400” الروسية على الرغم من احتجاج أميركا والحلف، ثم انتظر طويلاً مكالمة من الرئيس الأميركي جو بايدن، قبل أن يراه في قمة الحلف الأطلسي. دعم تنظيم “داعش” و”الإخوان المسلمين” في حرب سوريا، وجعل تركيا محطة عبور للإرهابيين إليها، وأصر على إسقاط النظام، واحتل شمال سوريا، ثم التقط الفرصة التي قدمها له الرئيس فلاديمير بوتين بأن تكون تركيا إلى جانب روسيا وإيران رعاة “مسار أستانا”. وبعد أن ساند أذربيجان في حرب قره باغ ضد أرمينيا، أراد تحسين العلاقات مع أرمينيا، وهي تاريخياً سيئة من أيام السلطنة ومجزرة الأرمن.
لكنّ مشكلته الكبيرة في الداخل، وفي باب الاقتصاد الذي كان سبب صعوده حين نجح علي باباجان في إحداث نهضة تنموية قبل أن يختلف مع أردوغان، ويستقيل من حزب “الحرية والعدالة”، الذي كان من مؤسسيه، ليؤسس حزب “الديمقراطية والتقدم”. وأصر على خفض الفائدة، فانهارت الليرة، وطرد ثلاثة حكام للمصرف المركزي وثلاثة وزراء للمال لأنهم وقفوا ضد خفض الفائدة، وبقي على موقفه. ورث نظاماً علمانياً، فطرح “إزالة العلمانية من الدستور “خلال إعداد دستور جديد نقل البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يمسك الرئيس فيه بكل السلطة، وأراد استعادة أمجاد العثمانيين، وخطط للاحتفال بالسلجوقي ألب أرسلان الذي هزم الجيش البيزنطي في معركة “ملاذكرد” عام 1071، ثم حول كنيسة “آيا صوفيا” التاريخية الأثرية إلى جامع في إسطنبول التي تضم آلاف الجوامع، ومشكلته كما يقول باباجان أنه “لا يعرف، ولا يعرف أنه لا يعرف”.
أقل ما تطالب به أحزاب المعارضة وهي “الشعب الجمهوري”، و”الجيد”، و”حزب الشعوب الديمقراطية”، و”الديمقراطية والتقدم”، والمستقبل” بزعامة أحمد داوود أوغلو، وأحزاب أصغر، هو الذهاب إلى انتخابات رئاسية ونيابية مبكرة وأحياناً فورية، لكن أردوغان يرفض، مع أن الأرض تهتز تحته في “شتاء الغضب” التركي. هو يعرف أنه سيخسر، ولا يريد التخلي عن السلطة، ولا إجراء الانتخابات قبل عام 2023، يرفض الاعتراف بأنه تجاوز “خريف” حكمه، ويزداد عناداً كلما انهارت الليرة أكثر فأكثر، وهربت الاستثمارات، وبات المواطنون في ضيق. لسان حاله قوله، “الديمقراطية مثل القطار تنزل منه عندما تصل إلى محطتك”، وهو نزل في المحطة التي أرادها، ويريد البقاء فيها. أليس مبدأ الإسلام السياسي هو إما رفض الانتخابات والبرلمانات والديمقراطية، كما في خطاب “داعش” و”القاعدة”، وإما “الانتخابات لمرة واحدة، ثم البقاء في السلطة”؟
المراوغة في السياسات ممكنة وسهلة، لكنها صعبة وخطرة في الأزمات الاقتصادية والمالية، فلا مهرب أمام أردوغان من الرضوخ للواقع بعد أن خسر الطبقة الوسطى والفاعليات الاقتصادية والتجارية في المدن، وبدأ يفقد التأييد في عمق الأناضول. ولا مجال للاستمرار في توظيف ورقة المحاولة الانقلابية الفاشلة في طرد مئات الآلاف من الجيش والقضاء والجامعات والتعليم الثانوي بحجة التعامل مع حليفه وحاميه السابق المقيم في أميركا رئيس مؤسسة “خدمة” الداعية فتح الله غولن. وتركيا تستحق ما هو أفضل. وهي أكبر من أردوغان وسواه.