رواتب كبار الموظفين وفق دولار 8000 والحكومة تخرق الدستور
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثائر –

في نهاية شهر أيار الماضي وافق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على طلب النائب العام المالي، بتحويل مبلغ حوالي 60 مليار ليرة في البنوك اللبنانية، خاصة بصندوق تعاضد القضاة، إلى الدولار، وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، أي 1500 ليرة، بحجة أن الصندوق بات عاجزاً عن تأمين نفقات الخدمات الطبية للقضاة، وأقساط تعليم أولادهم، وما شابه من خدمات، يختص بها الصندوق.

تفاجأ الموظفون اليوم بأخبار عن قرار من رياض سلامة إلى المصارف، لاحتساب رواتب القضاة، بتحويلها إلى دولار وفق السعر الرسمي 1500 ليرة، ثم يتم دفعها لهم وفق سعر صرف8000 ليرة للدولار، ويحق للقاضي سحب المبلغ بالدولار وفق سعر صيرفة.

فالقاضي الذي يبلغ راتبه ثمانية ملايين ليرة، سيصبح أكثر من أربعين مليون ليرة تقريباً.

الجدير ذكره أن عمليتي تصحيح الرواتب، ودولرة أموال الصندوق الخاصة بالقضاة، تمت بقرار من حاكم البنك المركزي، وليس بقرار من الحكومة اللبنانية، فهل يحق لحاكم البنك المركزي، رفع رواتب فئة من الموظفين في القطاع العام؟؟؟ وهل يجوز للدولة أن تتعامل بهذه الانتقائية العجيبة مع موظفي هذا القطاع، فترفع رواتب فئة وتحرم باقي الموظفين؟؟؟

لا أحد يجادل في ضرورة حصول القضاة على رواتب منصفة وعادلة، لكن هل يقبل قضاة لبنان بقانون أو إجراء يُنصفهم ويُبقي على ظلم زملائهم في القطاع العام؟؟ وهل فقط القضاة يحق لهم بالطبابة وتعليم أولادهم والعيش الكريم؟؟؟ فيما يعاني باقي الموظفين في الإدارات، من معلمين، وعسكريين، وأُجراء، ومتقاعدين، ومتعاقدين، باتت رواتبهم الأدنى في العالم، ولا تكفي لتأمين أبسط مقومات الحياة؟؟؟.

صحيح أن غالبية اللبنانيين يعانون من أوضاع صعبة، لكن الأصح والأكثر دقة، هو أن الموظفين في القطاع العام الذين يبلغ عددهم حوالي 400 الف شخص (مع أسرهم يصبح العدد حوالي مليوني مواطن) تحولوا إلى طبقة مُعدمة.

فالمزارع الذي كان دخله السنوي بحدود 15 مليون ليرة، أي ما يعادل عشرة آلاف دولار، تضاعف ثمن منتوجاته أكثر من عشر مرات، وبات دخله يفوق 150 مليون ليرة.

ومثله التاجر، والطبيب، والمحامي، والنجار، والحلاق، والحلونجي، وكافة أصحاب المهن، كلهم تضاعفت أجورهم ومداخيلهم، وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

وحده الموظف انخفضت قيمة راتبه عشرين ضعفاً، أي ما يعادل أكثر من 90% ، فالموظف الذي كان يتقاضى ما يعادل الف دولار، أصبح راتبه يساوي 50 دولاراً فقط.

أمّا الأغرب والأخطر في الأمر، هو أن المسؤولين جعلوا من سلسلة الرتب والرواتب، شمّاعة للتغطية على فسادهم وسرقاتهم وسياساتهم الاقتصادية الفاشلة، ويحاولون الإيحاء بأن زيادة الرواتب هي سبب انهيار اقتصاد لبنان، متجاهلين الأسباب الحقيقية للأزمة. ورغم أن حجم الأجور في القطاع العام انخفض من حوالي 8 مليار دولار، وأصبح الآن لا يتجاوز نصف مليار دولار في السنة، لم تتحسن ميزانية الدولة، ولا اقتصادها، لأن الفساد والسياسات الخاطئة ما زالت ذاتها.

يتعامل المسؤولون اللبنانيون مع موظفي القطاع العام بمنتهى الصلافة، وكأنهم يريدون تدمير مؤسسات الدولة بالكامل، فكيف لدولة أن تتعافى إذا كانت إداراتها مشلولة، والموظف لا يتقاضى راتباً كافياً للحضور إلى عمله وتأمين أبسط متطلبات الحياة لأسرته؟؟؟ ونحن لا نتحدث هنا عن رخاء أو رغد أو حياة كريمة، بل عن كفاية بالضرورات، من مأكل، ومشرب، وملبس، وطبابة، وكهرباء، وتعليم لأولاده !!!

لقد عمدت الحكومة إلى التعاطي مع الموظفين بالقطعة، وتحاول تشتيت جمعهم، عن طريق تهريب قرارات وتعاميم من رياض سلامة إلى المصارف، بدفع رواتب بعض كبار الموظفين، وفق آلية تسرق وتستنزف ما تبقى من احتياط إلزامي لودائع المودعين.

فبعد موظفي السلك الدبلوماسي ودفع رواتبهم بالدولار، ودفع رواتب النواب وموظفي المصارف وفق دولار 8000 أوعز سلامة إلى المصارف (التي تحتجز ودائع المودعين، وتفرض قيوداً صارمة على السحوبات، وتقتطع أكثر من 70% من قيمتها) لدفع رواتب النواب وبعض كبار الموظفين وفق طريقته المبتدعة، وها هو يلجأ اليوم إلى إرضاء القضاة، وغداً قد يكون المدراء العامون واساتذة الجامعة أو غيرهم.

هكذا تتخلّى الدولة عن واجباتها ومسؤولياتها، وتسمح لحاكم البنك المركزي، أن يقرر لمن وكيف سيزيد الرواتب والأجور، بدءاً بموظفي المصرف المركزي والمصارف، والنواب والوزراء وانتهاءً بمحاولاته رشوة القضاة!!!! فهل من علاقة فعلاً بين إجراءات رياض سلامة هذه واستنكاف بعض القضاة عن ملاحقته، وملاحقة شقيقه، فيما نُسب إليهم من جرائم مالية، تم الإدّعاء بها عليهم في الداخل والخارج؟؟؟!!!

تفاوض الحكومة الموظفين، ويحاول رئيسها إرضاءهم بمبالغ زهيدة، بحجة الأزمة الاقتصادية، التي كان هو ومن معه في السلطة أحد أكبر أسبابها، وحتى التفاوض ليس جدياً، وتبيّن أنه مضيعة للوقت، ولم يبقّ لدى موظفي القطاع العام سوى الاستمرار بالإضراب الشامل حتى الحصول على مطالبهم برواتب مقبولة وعادلة.

وبالطبع لا يمكن القبول بإجراء رياض سلامة، الذي أهدر مع هذه الطبقة الحاكمة، مبلغ 29 مليار دولار، على سياسة الدعم وتثبيت سعر صرف الدولار، منذ تشرين عام 2019 وحتى اليوم. ولا حاجة لإخباركم أن هذا المبلغ كان يمكن أن يجعل لبنان جنة حقيقية، لو تم استخدامه بالطرق الصحيحة في مشاريع منتجة.

إن احتساب الرواتب وفقاً لطريقة رياض سلامة يعمّق الفارق والهوة بين الموظفين، وفيها الكثير من الظلم لذوي الرواتب البسيطة، التي قد لا تتجاوز في أفضل حالاتها خمسة ملايين ليرة، بينما تصبح رواتب موظفين آخرين أكثر من 40 إلى 50 مليون ليرة، وفي هذا الإجراء منتهى الظلم والإجحاف، بحق القسم الأكبر من الموظفين .

إن ما يحصل يُشكّل مخالفة فاضحة من قبل الحكومة للدستور والقانون، ومؤامرة مشتركة بين؛ حاكم المركزي، وأصحاب المصارف، وبعض المسؤولين والنواب والوزراء وكبار الموظفين، يذهب ضحيتها؛ المودعون، وغالبية موظفي القطاع العام.

فإلى متى السكوت!!!؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى