صالونات “العرط” الوطني!
صالح الراشد
النشرة الدولية –
اجتمعوا يتجاذبون أطراف السياسة وأسس إدارة الدولة، جلسوا بكبرياء وكروشهم تمتد لأبعد نقطة من رؤيتهم التي كانت تحجبها أنوفهم، والتي كانت تشكل أبعد نقطة لفهمهم في إدارة الدولة، لضعف سياستهم وإلحاقهم الضرر بالوطن والشعب، جلسوا ليشعر من يراهم أنهم مجموعة من الطواويس ببدلاتهم الأنيقة وربطات العنق الحريرية والأحذية غالية الثمن التي تلمع، جلسوا يتحدثون همساً حتى يُصغي لهم الجميع، فهذا رئيس وزراء سابق وبجواره وريثه في المنصب ومقابلهم وزير ونائب سايقين وأمين عام حزب لا يملك خطة عمل، ومعهم مجموعة ممن امتهنوا التطبيل لأي مسؤول قادم ويعتبرون التقاط صورة مع أصحاب الدولة والمعالي والسعادة أعظم إنجاز في حياتهم.
بدأ أكثرهم انتفاخاً بالحديث عن إنجازاته التاريخية، وكيف فرض ضرائب لا تخطر ببال من سبقوه لتوفير السيولة للوزارات والحكومة، وختم حديثه بأن الشعب يملك المال الوفير لذا عليه أن يدعم الدولة، وهنا هز وريثه رأسه وعلق بصوت يحمل ثقة غريبة ونبرة تعالي، وهمس لهم بأنه جعل البنك الدولي يثق بسياسته ويرفع قيمة الديون للوطن لتنفيذ مشاريع ضخمة لم يذكر مشروع منها، فعلق الوزير ضاحكاً لقد كنت معكم وكنت أؤيد سياستكم الذكية التي ارتقت بالوطن، وهنا هز النائب رأسه معلقاً بسعادة ولهفة:”لقد دعمتكم ووفرت لكم الدعم حتى نلتم ثقة المجلس الموقر”، ونظر الجميع صوب الأمين العام صاحب الدعوة الذي ابتسم ابتسامة عريضة وقال لهم: أنتم أوفياء هذا الوطن لكن لا يوجد من يُقدر هذه جهودكم وأياديكم البيضاء.
وهنا صرخ الطبالون بصوت يشبه كورس الفرقة الغنائية لكن بطريقة استفزازية مزعجة:”لقد ضاع الوطن بعدكم، فأنتم الأفضل”، وهنا تحدث ضيف ثقيل الظل عليهم غير مرغوب فيه كان يُكثر من الإبتسامات الساخرة وهم “يعرطون” فقال: “لقد حملتم الوطن أعباء كبيرة بسياستكم العرجاء والعوراء، فالفائدة عادت على عدد محدود وارتفعت البطالة والمديونية حتى كسرت ظهر الوطن، ولم تجدوا حلاً سوى جيب المواطن ليصبح الغالبية تحت خط الفقر الكاذب، لأنكم لو أظهرتم خط الفقر الحقيقي لكان غالبية الشعب تحته”، غضب الطبالون وارتفعت شفاة كبار القوم وتنفسوا بغضب وكأنهم يستعدون لإطلاق إعصار يقتلع الضيف، وكأن رائحة الصراحة لم تعجبهم كونها لا تتناسب مع رغباتهم، فصمتوا صمت القبور ونظروا إلى جوقة الطبالين وكأنهم يقولون لهم ردوا عليه، وهنا بدأوا بالغناء وأخذوا بتقريع المنتقد وقالوا بصوت واحد:” إن خبرتك في السياسة معدومة فهؤلاء فرسان الوطن وكراسيه وأصحاب الأيادي البيضاء على الشعب وأنقذوا الوطن من الذهاب صوب المجهول بفكرهم وعملهم”.
تبسم الضيف بطريقة ساخرة وقال بهدوء وسط ضجيج غاضب:” يا سادة “العرط” لا يتناسب مع وضع الوطن، فلو اخلصتم بالعمل لنهض الوطن، فرجاء خففوا من “عرطكم” فقد مللنا من هذه الإسطوانة المشروخة وأتمنى أن يحدثني اي منكم عن الإستراتيجية التي اتبعها لتحسين وضع المواطنين والوطن”، هنا قام صاحب صالون “الحلاقة” السياسي وأخذ بيد المتحدث وكأنه يريد أن يقول له سراً بعيداً عن القوم، وخرج به من المنزل وأوصله سيارته وكأنه يقول له:”أنت خطر على المجتمع وهذه جلسات للقادة والمفكرين، وغداً سنلتقي ونتحدث لوحدنا”، عاد صاحب الصالون وقال لهم وابتسامة غبية ترتسم على شفتيه:”حلقت له”، فضحك الجميع وقالوا بصوت ساخر : ” نعيماً”، عاد “العرط” من جديد وارتفع مستوى الكذب مع ارتفاع صوت جوقة المطبلين وهتفوا بحماقة:” فرق كبير بينكم أنتم الذين تعلمون وبين الذين لايعلمون”، انتهت السهرة وقام كل منهم وكأنه صاحب الصولجان وحامل لواء الإصلاح الذي أفسدوه بادارتهم، بعد عشاء فخم ساهم في زيادة تبلد فكرهم.
آخر الكلام:
هذه قصة من نسج الخيال لكنها تمثل واقع مرير منتشر لمن ألحقوا الضرر بالوطن وفوق ذلك “يعرطون”، ولا أقصد في هذه القصة إلا من شك بنفسه فهو بها خبير عليم.
العرط: مصطلح أردني لمن يكثر من الكذب والتفاخر بأشياء لم يقم بها.