(فيديو) “صفعة” بنك عودة استنفرت بلوم بنك وفرنسبنك في بريطانيا
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
تهدد مصارف لبنانية مودعيها، بجرأة لا تخلو من الوقاحة، بإغلاق حساباتهم في حال لجوئهم إلى القضاء لتحصيل حقوقهم منها. وأي قضاء هذا الذي أثار قلق المصارف وخوفها من إحقاق حق المودعين؟ هو قطعاً ليس القضاء اللبناني إنما القضاء البريطاني، وربما لاحقاً القضاء الفرنسي أو الأميركي وغيره. وصل أحد المصارف اللبنانية مع أحد مودعيه إلى حائط مسدود أمام القضاء البريطاني، فأقفل حسابات كل اللبنانيين والمرتبطين بلبنانيين، وكل مودع تسوّل له نفسه أن يواجه المصرف بالقضاء. وليس ذلك فقط، فباقي المصارف اللبنانية لحقت بزميلها وباشرت إقفال حسابات المودعين اللبنانين، تفادياً لأي حكم قضائي مستقبلاً.
هو القضاء البريطاني الذي وجّه صفعة لبنك عودة، حين أصدر حكماً أولياً لصالح أحد مودعيه، يعطيه الحق بالحصول على وديعته كما هي وبالعملة التي أودعت بها. لم ينته مفعول الصفعة عند مودع واحد، لا بل توالت الدعاوى بحق المصرف، في مقابل تصعيد المصرف إجراءاته التعسّفيه وتماديه أكثر فأكثر بالتطاول والتنكيل بحقوق المودعين.
صفعة عودة وقلق بلوم وفرنسبنك
صدر أول حكم بحق مصارف لبنانية في 28 شباط الماضي عن إحدى محاكم بريطانيا، قضى بالفرض على بنك عودة وبنك سوسيتيه جنرال لبنان بتحويل 4 ملايين و600 ألف دولار لصالح المودع صاحب الدعوى. الحكم الصادر عن محكمة بريطانية يُعد الأول في بريطانيا بحق مصرف لبناني. هذا الحكم استنفر بنك عودة ومن بعده العديد من المصارف، منها بنك لبنان والمهجر وفرنسبنك، وباشروا إغلاق حسابات مصرفية لمودعين لديهم، لتجنّب أي صفعات جديدة من المحاكم البريطانية.
وقد أقفل بنك عودة حتى اللحظة عشرات الحسابات، أي ما يزيد عن 50 حساباً. وقد طالت عملية إغلاق الحسابات مودعين بريطانيين لا يحملون أي جنسية أخرى، ومودعين لبنانيين يحملون الجنسية البريطانية، وأيضا حسابات تعود لبريطانيين زوجاتهم لبنانيات. فقد أقفل بنك عودة حسابات زوجاتهم، باعتبار أن أموالهن تعود لحساب أزواجهن، كفرضية من قبل البنك. حتى أن البنك أقفل حسابات عائلة بأكملها تتألف من مودع ووالديه وأخوته وأولاده. وتؤكد المحامية من رابطة المودعين، دينا أبو زور، في حديث إلى “المدن”، أن إقفال الحسابات يزيد يومياً. ولا تقتصر هذه الممارسات على بنك عودة. فقد لحقه مصرف بلوم بنك في عملية إقفال حسابات العديد من المودعين في بريطانيا.
إقفال الحسابات وابتزاز المودعين
لم يقفل بنك عودة عشرات الحسابات فحسب، بل أبلغ اصحابها إنه مستعد لإعادة فتح حساباتهم في حال وقّعوا على عقود محددة الشروط. وحسب أبو زور، فهذه العقود التي يفرضها المصرف هي عقود إذعان تجرّدهم من العديد من حقوقهم، وتشترط عليهم عدم المطالبة بإجراء أي حوالات إلى الخارج، والموافقة على عدم المطالبة بسحب مبالغ مالية تفوق السقوف المحددة لكل مودع، وعدم المطالبة بالوديعة بالعملة التي أودعت بها، وغيرها من الشروط التي وصفتها أبو زور بـ”الإنبطاحية” لصالح المصرف. وهو أمر غير مقبول على الإطلاق.
بالنتيجة أغلق بنك عودة عشرات الحسابات بالدولار، وأودع المبالغ المالية بموجب شيكات مصرفية لدى كاتب العدل. مع العلم أن الشيكات المصرفية لا يمكن صرفها. كما أن قيمتها تقل بنحو 80 في المئة عن القيمة الحقيقية للودائع. وأكثر من ذلك، يبتز بنك عودة وسواه من المصارف المودعين بمسألة الحسابات بأنه قد يعيد فتحها في حال وافق العميل على التوقيع على عقد الإذعان. وهو أمر غير مقبول ويجب التصدي له بالقضاء.
كل هذه الممارسات هي تعسف باستعمال الحق، على ما تقول أبو زور، كما أن إقفال الحساب لا يتم بهذا الشكل. فالعقود ربما يرد فيها “أنه يحق للمصرف إقفال الحساب بحالات معينة”، ولكن حتى هذه الحالة لديها شروط، منها أن يُعلم البنك الشخص مسبقاً، ويكون هناك سبب جوهري لإقفال الحساب. وقطعاً لا يكون السبب مطالبة المودع بحقه. وأكثر من ذلك، هذا الأمر يكرّس التمييز بين المودعين على مستوى حقوق الإنسان والقوانين الدولية. ويتم التمييز بين من هم من حملة جنسية بريطانية وسواهم، فقط لأن أحدهم ربح دعوى، وربما يفتح الباب على دعاوى اخرى.
من جهتها، ترى الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale، سابين الكيك، أن إجراء إقفال حسابات مصرفية من قبل المصارف بشكل قسري “مرفوض تماماً” ومخالف للقانون. موضحة في حديثها إلى “المدن”، أن لعملية إقفال الحسابات جوانب عدة لا بد من الالتفات إليها. الأولى، مدنية، تتعلق بحق المصارف في إقفال الحسابات بإرادتها منفردة. وحسب القانون، يمكن لأي من الطرفين فسخ العقد، لكن دائماً يجب أن تتوفر الشروط كي لا يكون فسخ العقد تعسفياً. من هنا، لا يجوز فسخ العقد بطريقة تعسفية. ولطالما كانت المصارف تخلق الذرائع بهدف فسخ العقود.
“والمصارف تعلم جيداً أن فسخ العقد يعني أن الشخص بات خارج القطاع المصرفي كلياً. إذ من غير الممكن أن يفتح حساباً في مصرف آخر، خصوصاً أن الأموال يتم سدادها بموجب شيك مصرفي. وبذلك يكون قد ألزم العميل بعلاقة تعاقدية أخرى مع منعه من تحويل وديعته إلى نقدٍ أو تحويلها إلى الخارج”.
“جرم” إغلاق الحسابات
وتعلّق الكيك على جانب آخر لمسألة إغلاق الحسابات المصرفية قسراً، يتعلق بعقد الوديعة. وهنا النص واضح بأن عقد الوديعة لا يُرد إلا للمودع وبيده أو من يعينه المودع، وبالتالي فإن تطبيق إجراء العرض والإيداع الفعلي عند كاتب العدل مرفوض بالمطلق بحالة عقد الوديعة. مشددة على أن هذا العقد ليس عقد دَين ولا إيفاء، إنما هو عقد يُنفذ ويسترد المودع وديعته عند طلبه. فكيف إذا كان رد الوديعة يتم من دون طلب المودع ومن دون تحديد من سيتولى الاستلام وغيرها من المخالفات. وتجزم الكيك بأن “عقد الوديعة يتعلق أولاً وأخيراً بإرادة المودع”.
وتعد عملية إغلاق الحسابات المصرفية بالطريقة التي تتم فيها من قبل المصارف جرماً بنظر القانون، لاسيما حسب المادة 2 من القانون 65، جرم إفشاء السرية المصرفية التي تقول أنه يُمنع على المصارف أن تدلي بأي معلومات عن المودعين إلا ضمن حالات محددة، وبخلاف تلك الحالات، تقول الكيك، يعد الإجراء جرماً. ونظراً لكون المصارف تضع الأموال لدى كاتب العدل، فإنها تخالف قطعاً القوانين.
الحالات في لبنان
في كثير من الحالات ألزم القضاء اللبناني المصارف بإعادة فتح الحساب للعميل تحت طائلة غرامة إكراهية عن كل يوم تأخير، حسب ما تؤكد الكيك. وهو ما تذكر به أيضاً أبو زور في قضية إقفال الحسابات التي حصلت كثيراً في لبنان، وتقول “لطالما واجهنا الإقفال ورفعنا دعاوى وألزمنا كثيراً من المصارف بإعادة فتح الحسابات”. وهذا مرده إلى غياب الرقابة، خصوصاً غياب لجنة الرقابة على المصارف، وتأكيداً على الاستنسابية وبطش المصارف وتخطيها كافة القوانين والأعراف والأنظمة المصرفية. أما الحملة التي تقوم بها رابطة المودعين، فهي متوجهة حالياً إلى حَمَلة الجنسيات، وهم كثر، وقضيتهم مفتوحة. وسيتم الوصول من خلالهم إلى كافة الحسابات.
وحسب الكيك، فإن لجنة الرقابة على المصارف يجب أن تبلغ البنك المركزي في حال وقوع جرائم مصرفية في البنك، لاتخاذ الإجراءات المناسبة. وحينها يمكن الكشف عن اسم المودع.
الحكم في بريطانيا
وبالعودة إلى الحكم الذي صدر في بريطانيا، فإنه لم يصدر فيه الحكم النهائي بعد (وهو مرتقب صدوره في 21 آذار) لكن القرار الأولي الذي صدر تمثّل بإلزام المصرف تحويل مبلغ 4 ملايين و600 الف دولار الى حساب المحامي في بريطانيا، إلى حين أن تنتهي الإجراءات ومهلة الاستئناف بصدور الحكم النهائي، ومن بعدها تقرر المحكمة إخراج الوديعة من حساب المحامي إلى حساب المودع.
نصيحة لأصحاب الحسابات
وللوقوف في وجه تعسف المصارف لجهة إقفال الحسابات المصرفية، تنصح رابطة المودعين كل من يتلقى إشعاراً من المصرف بإقفال حسابه كتابة الجملة التالية: “إننا نرفض عرضكم أعلاه جملة وتفصيلاً، محتفظين بكافة حقوقنا من أي نوع ولأي جهة كانت مع كامل التحفظات”.