لبنان يتّجه الى فقدان السّيطرة… على كل شيء
بقلم: سابين عويس
النشرة الدولية –
النهار العربي –
ماذا يجري في لبنان، وإلى أين سيقود الانهيار البلاد، وهل بلغ فعلاً ذروته مع تحلل الدولة بمؤسساتها العامة وقطاعها الخاص، أم أن ثمة المزيد ينتظر اللبنانيين بعد، في ظل الكلام الدائم عن أن ما يحصل أمر متعمد، ويدخل في سياق ضرب كل مقوّمات الدولة ونظامها، تمهيداً لإرساء النظام الذي يتماشى مع المحور الحاكم؟
ليس هذا السؤال إلا عيّنة من الهواجس التي تقلق البيئة اللبنانية، في ظل حال التحلل التي تعيشها، بعدما استقالت السلطات المعنية من القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، وتركت البلاد تنزلق أكثر فأكثر نحو الفوضى والانهيار الشامل، ضاربة عرض الحائط بكل التداعيات الخطيرة التي ستترتب على مثل هذا الأداء الرسمي.
في أقل من يومين، وفيما ينشغل القصر الجمهوري في بعبدا بلقاءات ثنائية على مستوى رؤساء الأحزاب والتيارات والكتل النيابية لاستطلاع آرائهم في مبادرة الحوار التي طرحها رئيس الجمهورية، قفز سعر صرف الدولار الأميركي إزاء العملة الوطنية قفزاً جنونياً ليتجاوز سقف 33 ألف ليرة، مهدداً بخروج السوق عن السيطرة. وانسحب الأمر على أسعار كل السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية والخدماتية، وفي مقدمها أسعار المحروقات.
وهكذا، عادت الطوابير أمام محطات المحروقات والأفران، مستعيدة مشاهد الإذلال التي لا يمانع زعماء لبنان رؤيتها، وهم على أبواب انتخابات نيابية تتطلب منهم استعطاف ناخبيهم.
تتعدد الذرائع والمبررات التي تُقدم عن سبب هذه القفزات الجنونية في الأسعار، والمتفلتة من أي ضوابط أو مراقبة أو مساءلة.
فسعر الدولار لم يعد خاضعاً لحركة العرض والطلب، في ظل وجود منصات غير شرعية تتحكم بالسوق، من دون أن يُعرف حجم التداول الذي يحصل يومياً عبرها، في حين أن التداول المعلن عبر منصة صيرفة الخاضعة للمصرف المركزي يراوح بين 15 مليون دولار و20 مليوناً يومياً، وهو رقم معقول لحجم التداولات المطلوبة لتغطية الاستيراد، بعد تراجع الفاتورة الى النصف تقريباً العام الماضي، علماً أن هذه الفاتورة عادت لترتفع مجدداً مع تأقلم اللبنانيين مع التراجع الاقتصادي وتدهور قدرتهم الشرائية.
ويلاحظ أن حجم السوق الموازية أو ما يُعرف بالسوق السوداء يوازي منصة صيرفة أو ربما يتجاوزها، فيما تنشط عمليات التلاعب والمضاربة، إما رغبة بتحقيق مكاسب وإما في إطار الضغط السياسي الخارجي لتجفيف النقد الأجنبي ودفع البلاد نحو مزيد من الانهيار.
يعاني لبنان اليوم من تفجر مجموعة من الأزمات المعيشية والاجتماعية، وهو يعجز عن مواجهتها. وكما كانت السنة المنصرمة سنة الانهيار، فإن السنة الحالية هي سنة تكريسه تماماً وعلى كل المستويات، بعدما بلغ التدمير الممنهج كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وتم عزل البلد عن محيطه العربي والدولي.
في البلاد اليوم أزمة محروقات وطحين تضاف الى أزمات الاستشفاء والطبابة والشح في السيولة وتراجع القدرة الشرائية، وسط مؤشرات انكماشية وتضخمية مقلقة. أما اجتماعياً، ومع استمرار المراوغة حيال إقرار تنفيذ البطاقة التمويلية، فقد بلغت نسبة الفقر 77 في المئة، وفق تقديرات البنك الدولي. وهذه النسبة قضت عملياً على الطبقة الوسطى التي تشكل صِمَام الأمان للمجتمع اللبناني، وبات التفاوت مخيفاً بين طبقة ميسورة لا تشكل أكثر من 5 الى 6 في المئة من السكان، والباقي يراوح بين الفقر والفقر المدقع.
وفيما تغيب الحلول أو أي رؤية إنقاذية من شأنها أن تضع البلد على طريق التعافي، وتؤمّن حصول لبنان على الدعم الدولي عبر برنامج مع صندوق النقد الدولي، تسير الأمور بتسارع نحو انهيارات متسارعة على كل الصعد. وإذ يهدد المواطنون والنقابات بيوم غضب يوم الخميس ضد الطبقة الحاكمة، يبدو البلد وكأنه بات قاب قوسين من فقدان القدرة على السيطرة على كل شيء، ما يهدد بانفراد عقد الأمن والاستقرار بحدوده الهشة.