مربّو الأبقار يُعانون… والمعامل “تزغل” اللبن واللبنة… حركة البيع تنخفض من 20 طناً يومياً إلى 3 أطنان
النشرة الدولية –
نداء الوطن – ريتا بولس شهوان –
خذوا أسرار معامل اللبن واللبنة من صغارها، أي الحلقة الأضعف، مزارعي الأبقار. الصرخة «عامرة» في ديار المزارعين في جبيل، البترون، الكورة والمتن. وأكثر الأصوات تضيء على أن كل المواد المصنعة، «مغشوشة». فإضافة الى أن ذلك يخفّض الطلب على منتوجاتهم ويضرب لهم عملهم، ما أدى إما إلى إقفال عدد كبير من المزارع أو تخفيض أعداد الأبقار، فهو أيضاً يهدد السلامة الغذائية للمواطن. حاورت «نداء الوطن» أكثر من 20 مربّي أبقار، والنتيجة: مسيرة من الإحتكار تهدّ كاهل الزبون والمزارع على حدّ سواء، ليربح الوسيط بينهما أي المعمل.
هموم مزارعي الأبقار: علف وتبن ودولار!
بدأ ربيع (مالك مزرعة بقر في البترون) مشروع افتتاح مزرعته منذ 3 سنوات. كانت عائلة البقر مؤلفة من 3 أبقار، وطابق واحد. وصل في عملية التربية الى 20 بقرة و13 عجلاً، واليوم يبيع منها ليطعم ما تبقّى لديه منها أي 7. ضربات تربية الأبقار متتالية، يسرد أسماء وأسماء تمتهن النصب في هذه المصلحة، منها أحد الأطباء البيطريين الذي يبيع الأبقار مريضة، فيبتلي بها المزارع.
في بداية مسيرته في هذه المهنة كان قادراً على أن يدخل راتباً محترماً له، أما اليوم، بعد غلاء العلف (الطن بـ400 دولار) والتبن (كان الكيلو بـ400 ليرة وأصبح اليوم الطن بـ13 مليون ليرة)، أي طعام البقرة، واستمرار عملية المضاربة بسعر الحليب الذي تكسره المعامل الى ما دون 70 سنتاً (24 ألفاً تسعيرة الدولة)، أي بمعدل 18 ألف ليرة للكيلو، فيتجه نحو الإقفال، إذ إن معدل حاجة الأبقار لهذا الطعام يصل الى 5 أطنان، فبقيت 7 أبقار لديه، لذلك يبيع بمعدل بقرة كل أسبوعين.
ذاق الويل من الأطباء البيطريين والأدوية المضروبة في السوق، فقرر أن ينوّع سوقه. فبدل أن يبيع منتوجه الى المعامل، ينشئ معمله الخاص، وهو عبارة عن طنجرة وأوانٍ لتحويل الحليب الى لبن ولبنة، ويتولّى مهمة ايصاله الى الزبائن. حرقة قلبه وصلت به الى «الدز» على أحد المعامل (نتحفظ عن ذكر اسمه) الممول من السفارة الأميركية، والذي يشتري كيلو الحليب بـ 17 ألف ليرة أي ان سطل الحليب بـ 90 ألف ليرة، سائلاً: كيف حصل هذا الرجل على تمويل؟ مع انخفاض عدد أبقاره انتقل من بيع 40 سطلاً في النهار الى أقل من 20، وعندما يذهب لشراء طعام البقرة بهذا المال الذي يصمّده على أيام، يخسر بسبب فارق الدولار الذي يتلاعب يومياً، وبذلك ما يربحه من منتوجه يخسره فرق عملة.
هرب عاصم (مالك مزرعة بقر في جبيل) من فساد الدولة التي أدخلت منذ مدة أبقاراً مريضة، إذ إن أبقاره قديمة ولم يصبها المرض، فيحمد ربه ألف مرة. ينفض يديه من الدولة التي تضرب المزارع فلا تفرض رقابة على المعامل التي تشتري منه او من غيره الحليب بأسعار الدولة، فتمسك المزارع من اليد التي تؤلمه، باعتبار أن الحليب إن لم يصرف يذهب الى التلف. شاكياً من فساد هذه المعامل التي «تزغل» اللبن واللبنة، إما بنشويات أو بمياه أو بحليب بودرة أو حليب من سوريا، فتستغني عن منتوج المزارعين وتتحكّم برقابهم ويسأل ضاحكاً: لماذا لا يقفلون المعامل التي تغشّ ليوم واحد؟ هذا عدا عن هم الجميع، على حد توصيفه ألا وهو هم العلف والتبن، الذي يرتفع سعرهما ولا يتغير سعر الحليب بالمقابل سائلاً: هل نحن جمعية خيرية؟ لهذا السبب يعتبر أن النسبة المتبقّية من مربي أبقار هي 10% حسب تقديره، والمعامل تقول ان لا طلب على اللبنة والجبنة بسبب القدرة الشرائية.
مزارعون يقفلون وآخرون يبيعون أبقارهم!
المئة وأربعون ألف ليرة بدل سطل اللبن، الذي يبيعه شاكر (مزارع من الكورة) الى أبناء المنطقة، لا تكفي بدل طعام بقرة واحدة. أما إن أراد العمل مع المعامل لكان باع كل الأبقار الى الآن، وأراضيه فوقها ليعوّض الخسارة، لكنه لا ينكر أنه إن تبقى لديه حليب بعد طهي الكمية المحجوزة للبن واللبنة، يبيعه للمعامل بدل أن يرميه. هكذا بقيت لديه 7 أبقار من أصل 15، و»يسكِّج» بمهن أخرى ليكمل حياته بهذه المهنة «ليضل ياكل لبن ولبنة»، إذ على حد تعبيره إن استمرّ الوضع كما هو عليه فلن يجد المواطن اللبناني أي منتوج من الحليب الأصلي في السوق.
ماذا عن بيع البقرة؟ تذهب تلك إما الى اللحام أو الى شخص يودّ أن يقتنيها، وهم قلة وذلك مقابل ألف دولار علماً أنه اشتراها بـ2500$.
عملية بيع الأبقار متداولة بين المزارعين فمصطفى (مزارع بجبيل) بدأ بيع أبقاره عندما ارتفع سعر الصرف، وتزداد وتيرة البيع في فصل الشتاء لأنه غير قادر على إطعامها من خضار الأرض، معتبراً أنه مع بيع الأبقار لإطعام أخرى، كأنه رمى المال سدى والدولة «ولا بالها بال». عثر مصطفى على معمل في كسروان وهو صغير، يصرّف منتوجه اليه ولكنه يكتفي به وسعره تقريباً يقارب سعر الدولة. هكذا تمكّن من الصمود حتى الساعة، علماً انه وفق جوزف، وهو صلة الوصل بين المعامل ومربي الأبقار، يأخذ الحليب منهم ويبرّده ليوفر عليهم استخدام الطاقة، فيصف حركة السوق بالخفيفة، إذ انخفضت حركة البيع من 20 طناً يومياً الى 3 أطنان.
هكذا ونتيجة قلة الطلب في السوق أقفل كرستوف (مزارع في البترون) مزرعته منذ شهرين، لأنه لا يريد ان يستدين بسبب أسعار المازوت والتبريد وهي ثلث قيمة سعر العلف أي 50 مليون ليرة كرقم إجمالي شهرياً، فقرر الحد من خسارته. لكنه يؤمن انه كمهندس زراعي قادر على خلق حلول منها استخدام المساحة التي لديه لتخمير الحليب، وتحويله الى جبنة يحتاج 6 أشهر لبيعها، دون أي مواد حافظة. يأمل في أن يحصل على تمويل من إحدى الشركات الخاصة لتأسيس هذا «المخمر»، ويعمل بجدّ لتحقيق هذا الهدف فينفّع زملاءه من مربّي الأبقار بشراء الحليب منهم. فمن يدعم هذه المبادرات الصغيرة ليبقى لبن ولبنة في لبنان، الذي يشتهر بهما؟