تفاعل الشباب بالحياة الحزبية والسياسية والقانونية… الخطط والبرامج المحفزة لتهيئة بيئة جاذبة وصنع جيل قابل للمشاركة بفاعلية وحماس سياسياً.. كيف يتم ذلك؟
بقلم: د. دانييلا القرعان

النشرة الدولية –

يعد الأردن دولة فتية حيث أن فئة الشباب فيه (الأقل من 30 عاماً) تبلغ 63٪ من عدد السكان، ويكمن التحدي مع هذه الفئة أصلاً في عملية تزويدهم بالهارات اللازمة تمكيناً لها من الالتحاق في سوق العمل في مجتمع معظم شبابه متعلم ومنفتح على العالم الخارجي، هنا علينا أن نعترف، بأن دخول 100 ألف من فئة الشباب الى سوق العمل سنوياً، وجراء تفاقم معدلات البطالة، يجعلها تصطدم كثيراً بواقع اقتصادي مرير يتعارض مع أي طموح سياسي كون أولوياتهم تتجه دائماً نحو لقمة العيش، ومن المهم أن نشير في عجالة الى أن الوضع بالنسبة للفتيات أكثر صعوبة من الفتيان كون الأردن لديه (بحسب الإحصائيات) ثالث أدنى معدل مشاركة إناث في القوة العاملة في العالم، عدا أنه توجد ضمن فئة الشباب هذه فئة مستضعفة أخرى فئة ذوو الإعاقة حيث أن 6٪ من الشباب يعانون من إعاقة واحدة على الأقل (دائرة الإحصاءات العامة 2013) وبالتالي تعاني هذه الفئة صعوبات جمة في الوصول إلى الخدمات والبرامج.

 

إن التهيئة لعملية تمكين الشباب من المشاركة السياسية الإيجابية والعملية (برأيي الخاص) يجب أن تبدأ من المنزل والمدرسة ثم الجامعة ومن الاندماج على العمل التطوعي في المجتمع المحلي، وبغير ذلك لا يمكن الوصول الى الهدف الذي تعمل عليه اليونسيف مع الحكومة والشركاء الأخرين وهو ضمان وجود كل شاب في التعليم أو التدريب المهني أو العمل بحلول عام 2030، إذ يجب تعديل الخطط والبرامج أولاً بأول لمواكبة كل التغييرات الإقليمية التي أثرت وتؤثر ديموغرافياً وصحياً على المناخ السياسي وخطط التنمية، هذه الظروف برأيي الخاص أيضاً هي التي أدت وتؤدي الى تسجيل تراجع في تطور الديموقراطية في معظم دول المنطقة ومنها الأردن.

 

لكي نحث الشباب بالاقبال على الأحزاب علينا أن نغرس بهم ثقافة إحترام الرأي والرأي الأخر وقبول التعددية بأشكالها المختلفة، ولعل إعادة إنتاج انتخابات البرلمان الطلابي في المدارس وإنتخابات اتحاد الطلبة في الجامعات وحث العمال الشباب على الانخراط السياسي الوطني في أنشطة النقابات المهنية والمنتديات والأندية خير دليل على ماهية الخطط والبرامج التي يجب مراعاتها لخلق بيئة جاذبة للعمل السياسي، وعلينا أن لا ننسى أهمية الاستمرار في توفير خدمات تعليم ومهارات حياتية وتدريب مستمر لدعم انتقال الشباب من الجامعة إلى جو العمل وتوفير فرص العمل أو التشغيل الذاتي ليصبحوا مستعدين للمستقبل من خلال مختبرات الابداع سواء عبر العمل التطوعي أو توسيع نطاق الشراكة مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.

 

المهم، علينا في النهاية أن نركز على المرحلة العمرية لطلبة الجامعات تحديداً، لأن الانتفاح السياسي يتولد في هذه المرحلة، كما يصبح الطالب فيها متابعاً فكرياً للأحداث المحلية والإقليمية والدولية بشغف، من هنا نقول، يجب أن لا تكون مساقات التربية الوطنية والثقافة العسكرية وخدمة المجتمع مجرد متطالبات تعليمية الهدف منها تجميع ساعات معتمدة فحسب، بل يجب أن تدرس من خلال سلسلة محاضرات متنوعة يغطيها أصحاب القرار السياسي وليس محاضرين أكاديميين، بعبارة أخرى، اقتراحي متعلق بضرورة دمج النظرية مع التطبيق، أي السماح بإحتكاك الشباب مع ممثلي الطبقة المؤثرة على صعيد السياسية الداخلية (الحكومة والبرلمان والقضاة)، وفتح قنوات حوار مشتركة ليتعرف كل طرف على الأخر بإعتبار الشباب جيلاً ينتظر دوره في القيادة السياسية مستقبلاً.

 

أما موضوع الأحزاب، فهي قصة أخرى في وطني الذي يعج بأحزاب يفوق عددها الخمسين حزباً، بعضها موالاة وبعضها معارضة وبعضها وسطي، كما أن هناك تأثيراً عشائرياً بدأ ينخر في هذه الأحزاب مما قد جعلها مقيدة أمام شباب العشائر الأخرى، وعلى الرغم من وجود الدعم والتوجيه الصريح من مؤسسة العرش والحكومة والنواب لفئة الشباب بأهمية الإنضمام للأحزاب الرسمية بدل التأثر بالأفكار الخارجية الهدامة، لكن تبقى الاستجابة الشبابية خجولة، ربما من أهم أسبابها تلك السطوة الأمنية التي تنشط أحياناً مع فئة الشباب بهدف منع تعرضها لأي اختراق، مما يجعل الشباب في وضع تردد في الانضمام للعمل الحزبي، قد يكون الحل هنا هو تخفيف القبضة الأمنية والتمييز ما بين أنشطة المعارضة وبين خطر الإختراق.

 

أما دور البرلمان كونه القدوة الأمثل للشباب، فالنائب الذي لديه قواعد شعبية انتخبته ليمثلها في مجلس النواب، يتراجع تواصله مع قاعدته بمجرد اعلان نتائج الانتخابات وبعضهم يكتفي بمجموعات محددة يستشيرها عند الحاجة، ويتحول مع الأيام من نائب وطن الى نائب خدمات، مما يضعف النظرة الشمولية لدى فئة الشباب وخاصة الناشطين السياسين منهم الذين يطالبون نائبهم بالعادة أن يكون صوته مرتفعاً في المجلس مسجلاً اعتراضه ومواقفه علناً دون أن يعرفون أن بالمجلس توازنات على النائب أن يراعيها.

 

تلخيصاً لما سبق نقول، الحياة السياسية في الأردن تنقصها إرادة سياسية فاعلة في تنشيط فئة الشباب وحثهم على الانضمام للإحزاب، ويجب بالمقابل العمل على تقليل اعداد الأحزاب من خلال دمج المتقارب منها ببعضه البعض وصولاً الى وقف ازدحامها وتشتت أعضائها بين هذا الكم الكبير منها.

زر الذهاب إلى الأعلى