مبروكة عينين الفار..الحج إلى جزر المالديف

قراءة نقدية بقلم نزهة عزيزي

قلم نور الدين صديق طفولتي مبدع

النشرة الدولية –

شخصية مبروكة عنين الفار شخصية مستوحاة من قلب المجتمع البشاري المتناقض ككل المجتمعات العربية حيث يعيش الناس شخصية في العلن والأخرى في الخفاء، تتمحور حول مانحن عليه حقيقية وما نظهره للآخر وكل ما نخفيه من زيف وكبت، معاناة المرأة من نظرة المجتمع ومراقبته لها يضطرها للتحايل في كل شيء. أما الحاج المتعدد الزوجات وكثير المال فيعكس التفكير السلطوي ورغم تقدمه في العمر وزيارته السياحية للاماكن المقدسة لم يمنعه في محاولة إغراء أخيرة قبل أن يتوفاه الموت يعكس ذهنية متفشية في المجتمع البدوي الصحراوي، كل النساء متاحات عقلية الاستحواذ بالمال والامتلاك. ويحضرني مثل دارج عندنا في بشار الرجل لمنيعي (قبيلة في الجنوب الغربي الجزائري) عندما يرى إمرأة فهي له والتي لما يرها عنده فيها النص..

اما بحث مبروكة عنين الفار عن الحرية ليس معناه الانحراف والمجون كما يمكن أن يفكر المجتمع المنغلق هي فقط تصبو لحياة أفضل حياة يحترم فيها الآخر خصوصيتها وأحلامها هي إمرأة ناضجة وليست مراهقة تبحث عن المغامرات.

نور الدين يطرح عدة إشكاليات في نصوصه. بعين الملاحظ والجميل أنه يرسمة بطريقة كوميدية تشدك وهنا أجد لمسته الخاصة ككاتب. مآسي مبروكة رغم أنها مألمة إلا أنها تغبطنا لكن وضع الإصبع على مواطن الألم هو بداية الفحص السليم لأمراض المجتمع المغلق الذي يدفع الأفراد للعيش بطريقة لم يختاروها ومجبرين على مسايرة الجماعة وبين الصراعين تضيع حياتهم.

 

ننتظر دائما مسلسل مبروكة عنين الفار من يدري ربما تأتي بها الأقدار إلى باريس…

وللمتعة بقية

 

بعدما نالت مبروكة عينين الفار من اليهودي وتحصلت على المبلغ المالي بالعملة الصعبة الذي كان مقرّرا به شراء سيارة لعشيقها حمّو البهلول، تردّدت واحتفظت  به في رصيدها.

مرّت أيام وحمّو كعادته لم يتغير رغم المجهودات والتوجيهات التي تقدّمها مبروكة له بخصوص نظافة جسمه وتغيير بعض من سلوكاته غير الحضارية والتي تدلّ على أنه فعلا بهلول .

مبروكة تستدعي حمو لكن في هذه المرة لآخر امتحان له ولوضع النقاط على الحروف كما تقول .

ــ ألو حمّو.. أريد أن أقابلك غدا

ــ اوكي ..

كلمة (اوكي) هي الكلمة الوحيدة التي تعلمها حمّو من مبروكة

في اليوم الموالي لم يتخلف حمو وكان في الموعد، دخل مغبّرا من الحذاء إلى المنخرين ورائحته عرقا. أراد الجلوس على الأريكة فوجدها في غير مكانها بقي واقفا ومبروكة تنظر له من الأسفل إلى الأعلى.

عينين الفار ليست كعادتها غير متزينة ، تربط جبينها  بخمار بنفسجي ، وجهها يبدو عليه التعب وعينيها تحيطهما هالة زرقاء من قلة النوم وكثرة التفكير…

قالت له : أهذا هو الحذاء الإيطالي الجديد الذي اشتريته لك منذ أقلّ من شهر؟

قال :  نعم هو

اهذا هو الجينز لوفيس 501 الفرنسي الأصل ؟ أشار برأسه نعم..

هذه هي الجاكيط pierre cardin التي طلبتها لك خصيصا بمناسبة عيد ميلادك ب 300 أورو ؟

واين الساعة casio أين هي؟

طاحت… يقول البهلول.

اقتربت مبروكة من حمّو بينما هو يتراجع الى الخلف وكلّه دهشة  إلى أن وصل إلى باب البيت.

وقالت له : Dégage

كانت آخر كلمة بينها وبينه، عزلت مبروكة نفسها في بيتها وأغلقت هاتفها مدّة يومين حتى اصفر وجهها ليس حزنا على فراق حمّو بل على حظها البائس مع الرجال.

الحياة ليست زواجا و الزواج ليس الحياة السعادة يمكن الحصول عليها مع شي او مع حيوان تأويه  او بإهداء هدية او ابتسامة من جميل …تقول مبروكة و هي تخاطب المرآة.. العمر سلسلة من الحلقات المتنوعة بين سعادة و تراجيديا…

العمر سلسلة من الحلقات المتنوعة بين سعادة وتعاسة…

ثم تنظر الى جسدها يمنة ويسرة وتركّز جيدا في تفاصيل مؤخرتها كما الكل ، تقترب من المرآة تتأمل التجاعيد… ياويلي تقول

فجأة تتذكر صديقتها خيرة الملقّبة بالخبر العاجل…هي الوحيدة التي كانت تتسلّى معها لأنها كانت ملمّة بأخبار الناس لا تفوتها جنازة إلاّ و نشرت خبرها ، لا يفوتها عرس إلاّ وعرفت من هو العريس وكيف تمّ التعرّف والتعارف ومن الوسيط بينهما….

تتصل بها مبروكة

الو خيرور أين أنت؟

الخبر العاجل :  أنا في المسجد أحفظ القرآن ..

التوبة يااختي مبروكة التوبة..

مبروكة اوكي اوكي .. مع السلامة ..

بدأت مبروكة تردّد كلمة التوبة إلى أن جاءها اليقين وطمأن قلبها واشعلت التلفاز على قناة سعودية تظهر مكّة والحجيج يطوفون حول الكعبة.. أدمعت عيناها توضّأت وصلّت وخشعت..

بعدها فكرت في الحج و لِمَ لا؟

المال متوفر والصحة في حالة جيدة..

في اليوم الموالي اتصلت مبروكة بأقرب وكالة سياحية بغية الحجز الى البقاع المقدسة ولحسن حظها كان لها ما طلبت وفي أقرب الآجال..

مبروكة تقيم حفلا تعزم فيه الصديقات والجيران والأهل..

ادعوا لي بالتوفيق وقبول حجي تقول مبروكة…

من بين المعازيم مرشدة أحد المساجد العتيقة طلبت منها عينين الفار كيف تقوم بتأدية المناسك بتسلسل ودون نسيان ، شرحت لها المرشدة  بالتفصيل ولم يكن سهلا حفظ كل هذا ممّا أدّى بالمرشدة الى قضاء الليلة مع مبروكة طبعا ليس هذا مجانا..اين اكتشفت مبروكة اشاءا جديدة في الشرع كانت تجهلها بعدها  ملأت لها حقيبتها باللحم والخضر والفواكه وأعطتها بعض النقود…

كان المطار يعج بالحجيج ومرافقيهم بين حزين على الفراق وفارح ، احتارت مبروكة وتساءلت : لماذا يبكون ماذا يحدث هناك؟

لماذا لا يرافقونهم أثناء سفرهم إلى بلاد أخرى؟

مرت ساعات ومبروكة تنتظر رفقة الحجيج حضور السلطات المحلية قصد توديعهم كما تنص عليه البروتوكولات الرتيبة…

أخيرا صعدوا مدرج الطائرة وهم يهللون ويكبرون ويبكون ، مقعد مبروكة في وسط الطائرة وسط شيخان كبيران في السن، الذي على يمينها نام قبل انطلاق الطائرة والاخر يحب الحديث والدردشة،  اقترب من وجهها وبدأ ينظر و يتفحصها. كانت عيناه ترتجفتان من اليمين الى اليسار ، لا شك أنه أجرى عليهما عدة عمليات جراحية بعدما استقرت عيناه.

رحبت مضيفة الطائرة بالحجيج وقامت بإعطاء اشارة الانطلاقة أين حلّ هدوء تام وخشوع إلى أن طارت الطائرة حينها عاد الشيخ إلى الكلام من جديد مع مبروكة ..

قال : هل هذه أول حجة لك؟

نعم و أنت؟

رد عليها بافتخار :  لا إنها الرابعة

ماشاء الله ماشاء الله قالت مبروكة ..

نزع الشيخ حزام الأمان واقترب منها حتى يسمعها ويراها جيدا..

قال : انا  تهامي من قبيلة فلان ولي سبعة أولاد متزوجون وفي كل مرة يهديني أحدهم حجة..

مبروكة : ماشاء الله ماشاء الله..

الحاج تهامي ارتاح كثيرا ووضع يده على فخذ مبروكة وقال ما اسمك ياولدي؟

أنا امرأة واسمي مبروكة ..

خجل الحاج تهامي وسحب يده بهدوء وقال:

عذرا ابنتي كنت أظنك رجلا لأن صوتك خشن..

مبروكة : لا عليك تفضل اتمم حديثك ..

انفتح الحاج التهامي وانفرجت أساريره وبدأ يقص عليها حياته المهنية والزوجية أين اكتشفت مبروكة أنه تزوج عديد المرات حتى اصبح يخطىء في أسماء زوجاته منهن من ماتت، ومنهن من ماتزال على قيد الحياة .

دام حديثه لساعات إلى أن اشارت مضيفة الطائرة إلى وقت تناول وجبة الغداء.

أثناء تناول وجبة الغداء لاحظت مبروكة أن الحاج تهامي لايحسن الأكل بالشوكة لسبب ارتجاف خفيف على يده فأخذتها عنه وبدأت تساعده وتمسح له فمه بالمنديل الورقي.. مبروكة قلبها طيب وانسانية إلى النخاع لكن حدث ما لم يكن في الحسبان حيث شكّل الشيخ خيمة رهيبة ..

تقول مبروكة و هي تحدث نفسها ياله من شيخ عجيب كل اعضائه معطّلة الاّ حاجة واحدة ..

اتمت مبروكة عملها الخيري دون ان تبالي لما حدث  لانه ليس بالشئ الغريب بالنسبة لها …

جمعت المضيفات اواني الغداء وواصل الحاج تهامي كلامه لكن في هذه المرة بدأ يسأل مبروكة عن حياتها الخاصة اين اكتشف انها غير متزوجة و بدأ يلمّح لها و يكشف عن كل شئ يجعله ان يكون (جنتل مان) منحة التقاعد و العقارات التي يكسبها و اهم الاغاني القديمة التي يحفظها…

بالنسبة للحاج تهامي الحج اصبح عادة فقط حتى نسي نفسه و غنى لها مقطع من اغنية رباعية الخيام للسيدة ام كلثوم و بعض اغاني الراي القديمة مثل ( حلوا الطريق لبختا و خلوها تفوت ثمانية راهي دقت و الحال فاتها)…

لحظات و اعلن قائد الطائرة ميقات الاحرام وضع الحاج تهامي حقيبته على حجر مبروكة وقام بسرعة رفقة  كل الحجيج مرة واحدة و توجهوا نحو المرحاض بغية الوضوء اين بدأت مضيفات الطائرة الصراخ و حثهم الى الرجوع الى اماكنهم و الا كتفاء بالتيمم فقط لان مرحاض الطائرة لا يتحمل كل الحجيج لكن و للا سف لا حياة لمن تنادي لان الحجيج لم يّقال لهم تيمموا حين التوصيات التي وجهت لهم من ائمة مساجدهم و لا كلام فوق كلام الامام او (الطالب) تدخل قائد الطائرة شخصيا و توسلهم لكن دون جدوى اصر الحجيج على الوضوء و تزاحموا على المرحاض اين حدث خلل في توازن الطائرة و دقت صافرة الانذار لكنهم لم يعودوا الى اماكنهم الى ان سقط بعضهم فوق الاخر و لم تعد الطائرة في وضعها المستقر اين اضطر القائد و طاقمه الى الهبوط الاضطراري على مطار جزر المالديف …

رواق الطائر مكتظ بالحجيج منهم من اغمي عليه و منهم من يئن و يسبّح و منهم من يشهّد …

مبروكة لم تحرك ساكنة و اكتفت بالصمت و الحسرة على الوضع….

حطّت الطائرة بأعجوبة على مطار المالديف اين استقبلها رجال المطافئ ونقلوا جل الحجيج الى المستشفى و من بينهم الحاج تهامي اما البقية فتلقوا العلاج بالمطار و القلة القليلة التي من بينهم مبروكة فأخذوهم الى القاعة الشرفية بالمطار حتى يستوي الوضع و يتم نقلهم الى البقاع المقدسة …

هلع و خوف و ندم  على وجه مبروكة ، تجلس ثم تقوم و تمشي نحو الفناء المطل على الخارج اين الحركة و الحياة  ثم تعود الى مقعدها ..

اقتربت منظفة تحمل مكنسة و اناء نحو مبروكة و سألتها عما حدث لهم و الغريب انها سألتها بلغتهم لانها كانت تظنها مواطنة نظرا لقرب التشابه خاصة من ناحية الاعين و التشكيلة الفيزيولوجية الى ان اجابتها مبروكة باللغة الانجليزية عما حدث ثم انصرفت المنظفة و اتممت عملها و كانت مبروكة تراقبها من بعيد ، دخلت المنظفة الى غرفة و خرجت منها دون مئزر و لا مكنسة حينها جاءت الى مبروكة فكرة كي تغادر عالم الحجيج و طرائفهم …

فتحت مبروكة حقيبة الحاج تهامي ووجدتها مملوؤة بالدولارات و اليورو غلقتها مباشرة ثم ضمتها الى صدرها و بقت ساكنة للحاظات .. بعدها اتى خبر محزن ان من بين الحجيج امواتا فأسرعت مبروكة الى المشرف على القاعة الشرفية و طلبت منه ان يتصل بالمستشفى و يسأل عن حال   الحاج تهامي اتصل المشرف و للاسف كان الحاج تهامي من بين الاموات…

حزنت مبروكة لفراقه ، ترحمت عليه (مبروكة عينين الفار لا تحب الحزن)

بعدها توجهت الى غرقة تغيير الملابس الخاصة بالمنظفات و ارتدت مئزرا و اخذت مكنسة و كمامة و توجهت نحو الخارج بكل حرية و لا احد شك في هويتها لانها تشبههم …

اليورو و الدولار متوفران يكثر خير الحاج تهامي..

مبروكة تركب اول طاكسي نحو وسط المدينة كي تشتري البسة و ماكياج و تطلب من السائق انتظارها حتى تتم من التسويق بعدها تتوجه الى الفندق..

اخيرا مبروكة عينين الفار حرة في غرفة بفندق خمس نجوم في اليوم الموالي و بعدما ارتاحت من تراجيديا الحج و سيسبانس الطائرة مبروكة تخرج في جولة استكشافية لجمال المدينة التي تعج بالسواح ، بعدها تتوجه الى الحلاقة حيث تصبغ شعرها باللون الوردي و الاسود و رشات بيضاء و تعرّفت على الحلاقة اين نصحتها بزيارة بعض الامكان حسب الطلب و كذا الشواطئ الجميلة و بعض العيادات المختصة في التجميل …

عملت مبروكة عينين الفار بنصائح الحلا قة و اول ما قامت به هو نفخ مؤخرتها ووشم فراشة  تحت ظهرها و كانت هذه امنيتها منذ الصغر…

عادت مبروكة الى الفندق بعدما قضت يوما شاقا و بدأت تتصفح حسابها على الفايسبوك اين وجدت اعلانا عن سهرة ليلية بإحد الفنادق الفخمة حجزت مكانا vap بعدها توجهت و هي ترتدي robe de soirée  شفافة مشدودة بخيوط سهلة الربط ، دخلت تمشي مشية الكبار بخطوات قصيرة و كلها  جمال و عظمة  جلست بمفردها على طاولتها الفخمة ..طلبت من الناذل كأس ويسكي و شوكولا …

بدأت  الحفلة بأغنية لداليدا و بدأت اجراس كؤوس الويسكي  ترن كأس يدفع كأس الى ان تجاورت الاجساد و اندمجت روائح الخمور و السجائر و تراضعت القلوب برقصة (سلوا) بعدها سمعت عينين  كلام باللغة العربية يشبه لهجتها  التفتت و اذا بها تجد رجلان في العقد الخامس من العمر ينظران اليها اشار اليها واحد كي تقترب منهما و تجلس معهما ، ابتسمت و قامت تمشي مشية الحمام (مبركة خبيرة)

وقفت امام طاولتهما تنتظر كي يُجلسها احدهما  لكنها اكتشفت انهما من دول الثالث..

سألها الذي عزمها باللغة الانجليزية فأجابته بالعربية اين استغربا …

غيرت مبروكة اسمها و هويتها و تقمصت شخصية امرأة اعمال راقية تقيم بتركيا و تأتي الى جزر المالديف للاسترخاء ..

اما هما فإسمهما عبد الرحمان و عادل من ليبيا  و كان عادل جد معجب بها ترى كيف ستكون نهايته معها؟

هذا ما سوف نعرفة في القصة القادمة ..

https://scontent.xx.fbcdn.net/v/t39.30808-6/286204792_5538944266137483_7536281267168251542_n.jpg?stp=dst-jpg_s403x403&_nc_cat=103&ccb=1-7&_nc_sid=110474&_nc_ohc=yojiYju22K4AX9ZK8eo&_nc_ad=z-m&_nc_cid=0&_nc_ht=scontent.xx&oh=00_AT__b4L_9mbP8FMhic80bModgughxou3vGRzQCdFUKhQMQ&oe=62ABE756

 

زر الذهاب إلى الأعلى