استشراف نتائج زيارة بايدن
بقلم: د. سنية الحسيني

النشرة الدولية –

بعد عام ونصف العام من حكمه، بدأ جو بايدن رئيس الولايات المتحدة زيارته الأولى إلى منطقتنا. ولا تعد أسباب ومسار وقضايا زياته خفية، فقد جاءت في إطار تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية الغربية المستمرة، والتي تفسر العديد من المواقف والسياسات الأميركية، بما فيها تلك التي تتناقض مع سياساتها وتوجهاتها الاستراتيجية المعلنة تجاه منطقة الشرق الأوسط. وقد يكون من أبرز تلك المواقف الأميركية المتناقضة، والتي أفرزتها تداعيات الحرب، تلك المتعلقة بالمملكة العربية السعودية، والتي أجبرت إدارة بايدن على التخلي عن الشعارات والمبادئ الليبرالية الرنانة المتعلقة بحقوق الإنسان، والكشف عن الاعتبارات الواقعية القائمة على تحقيق مصالحها في الأساس، والتي تحكم سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، فجاءت زيارة بايدن إلى السعودية على رأس جدول أعمال الزيارة. كما تعد محاولات الولايات المتحدة بإبراز اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط وأمنها، اليوم، متناقضة مع توجهات السياسة الأميركية تجاهها خلال العقد والنصف الماضيين، والتي كشفت عنها استراتيجية الإدارات الرئاسية الثلاث، بدءاً من إدارة الرئيس باراك أوباما مروراً بإدارة الرئيس دونالد ترامب، وصولاً إلى الإدارة الحالية، والتي ركزت على تقليص التزامات الولايات المتحدة تجاه تلك المنطقة. يتطلع بايدن لتحقيق هدفين من هذه الزيارة، يتعلق الأول بنفط السعودية، الذي ينشده الغرب، الآن، كمصدر تعويضي للطاقة، بعد القرار بتقليص مصادر الطاقة القادمة من روسيا اليهم، بينما يرتبط الثاني بإنشاء تحالف أمني إقليمي عربي يضم إسرائيل، والذي يرسخ فكرة التطبيع الإسرائيلي مع العرب، ويحقق التوجه الاستراتيجي الأميركي بتقليص الالتزامات الأميركية تجاه المنطقة في ذات الوقت. فما هي فرص نجاح بايدن في تحقيق أي من هدفي هذه الزيارة؟

طالما كان نفط المملكة العربية السعودية العنصر الرئيس في توطيد علاقتها مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مكانة المملكة السياسية وموقعها الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، ما ترجم بانتظام اللقاءات بين الرؤساء الأميركيين والقادة السعوديين منذ سبعينيات القرن الماضي. إلا أنه وفي إطار إعادة توجيه إدارات أوباما وترامب وبايدن السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعيدا عن الشرق الأوسط، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة وانخفاض أسعار النفط عموماً خلال العقد الأول من القرن الحالي والتركيز على إنتاج الطاقة النظيفة لتجنب اضطرابات التغير المناخي، تآكلت العلاقة الأميركية السعودية خلال العقد والنصف الأخيرين، فلم يعد النفط السعودي مهماً كما كان في الماضي. وبدأ بايدن حقبته متغنياً بالشعارات الليبرالية ومبادئ حقوق الإنسان، فأعلنت إدارته بأنها ستعامل المملكة العربية السعودية بشكل مختلف عن الإدارات السابقة، ورفض بايدن التعامل مباشرة مع محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ورفعت إدارته الحوثيين عن قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة، كما أزالت بطاريات صواريخ “باتريوت” الدفاعية من المملكة، في وقت كانت تتعرض لصواريخ الحوثيين

واكتسب دور الرياض أهمية متجددة في أعقاب اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، واضطراب أسواق الطاقة العالمية، انطلاقاً من مكانتها كمصدر رئيس من مصادر الطاقة العالمية، وعضو إلى جانب روسيا ودول أخرى في مجموعة الدول المنتجة للنفط “أوبك +”. في العام ٢٠٢٠، اتفقت “أوبك +” على خفض إنتاج النفط، كي تتدارك مشكلة انخفاض أسعاره الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا. اصطدم اتفاق “أوبك +” بنتائج الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت بارتفاع أسعار منتجات الطاقة، وباتت الحاجة ملحة لإعادة زيادة ضخ موارد الطاقة للسيطرة على أسعارها. وتطالب الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية، اليوم، صراحة بزيادة طاقتها الإنتاجية للتعويض عن بعض الإمدادات الروسية المفقودة بسبب العقوبات. وقد وافقت السعودية على تسريع زيادة إنتاج النفط المخطط له خلال الصيف. غير أن هذا لم ينجح في منع أسعار موارد الطاقة من مواصلة صعودها بفعل تداعيات الحرب، ونقص موارد الطاقة الروسية. ومن المتوقع أن يولد استمرار الحرب طلباً على النفط أكثر بكثير من ذلك المعروض، حتى وإن عادت السعودية وزادت إنتاجها، والذي سيبقى ضمن إطار محسوب، ومحكوم بالتزاماتها مع “أوبك +”، ما سيرجح استمراراً في ارتفاع أسعار موارد الطاقة. كما أنه ليس هناك ما يضمن أن تكون السعودية أكثر تعاونا مع الولايات المتحدة هذه المرة، خصوصاً في ظل المكاسب التي تعود عليها وعلى الدول المنتجة الأخرى، مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً.

يظهر الهدف الأميركي بخلق تحالف أمني بين إسرائيل ودول المنطقة جلياً في هذه الزيارة، وهو ما تؤكده تصريحات توماس نيدس السفير الأميركي لدى إسرائيل، بأن إحدى النقاط المضيئة في رحلة بايدن تتمحور حول ترسيخ التعاون بين إسرائيل ودول الخليج، خاصة الإمارات، في مجال الأمن بالإضافة إلى مجالات أخرى. وأكد بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي مؤخراً بإن إسرائيل تبني شبكة دفاع جوي إقليمية ترعاها الولايات المتحدة تسمى “تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط”، وألمح قبل ذلك إلى أن اتفاقية “سلام إبراهيم” التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات تتضمن ترتيبا أمنيا خاصا.

كما تحدث عدد من التقارير عن تعاون رفيع المستوى بين إسرائيل والإمارات والبحرين ومصر، في إطار تعاون أمني، وأكدت تلك التقارير وجود جهود تبذل لضم السعودية أيضاً. ولم تخرج الجهود لإنشاء منتدى النقب والاجتماعات لزيادة تكامل التعاون الأمني في المنطقة عن ذلك التوجه. إلا أن إنشاء شبكة جوية رسمية إقليمية متكاملة بين إسرائيل ودول المنطقة، كما أشيع وجود مسودة اتفاقية دفاعية رسمية عرضتها واشنطن على أبو ظبي، تتضمن ضمانات أميركية أمنية، والتي تعد الأولى من نوعها لدول المنطقة الشبيهة بها. ويبدو أن التوجه الأميركي تجاه الإمارات يأتي في إطار توجه أشمل يضمن دولا أخرى من المنطقة على رأسها السعودية.

ورغم تطلع السعودية ودول الخليج الأخرى لإبرام اتفاقيات أمنية دفاعية رسمية ملزمة مع الولايات المتحدة، تحدثت عنها صراحة في آذار الماضي، وهو ما تؤيده وتدعمه إسرائيل أيضاً، إلا أن ذلك لا يعكس الهدف الأميركي. وكانت واشنطن تضغط من أجل نظام دفاع جوي متكامل بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى الولايات المتحدة منذ أربعة عقود، لكن تلك الدول لم تقبل به، كما عقدت قمة أوباما ودول مجلس التعاون الخليجي في كامب ديفيد في العام ٢٠١٥ لتحقيق ذات الهدف دون جدوى، الذي يهدف في الأساس لخفض الحاجة لوجود عسكري أميركي في المنطقة. وترغب السعودية باستمرار وجود قوة دفاعية أميركية ودور عسكري للولايات المتحدة في المنطقة للدفاع عن دولها. وهناك اتفاق دفاعي بين الولايات المتحدة ودول الخليج يلزم الولايات المتحدة بإجراء مشاورات في حال تعرض تلك الدول لهجوم لكن دون التزام بالتدخل، والاستثناء الوحيد من هذا النوع من الاتفاقيات مع السعودية، التي رفضت الانخراط ضمن اطر تلك الاتفاقيات في التسعينيات من القرن الماضي. وتحتفظ الولايات المتحدة بقواعد عسكرية في دول الخليج، في الأسطول الأميركي الخامس في البحرين، ومركز العمليات الجوية المشتركة في قاعدة العديد الجوية في قطر، وقاعدة جوية أخرى مترامية الأطراف في الإمارات العربية المتحدة، وبعتاد حربي مخزّن في عمان والكويت، تنتشر القوات الأميركية بشكل روتيني في هذه المنشآت. وليس من المتوقع أن يحدث بايدن اختراقا في زيارته للمنطقة، كما ليس من المتوقع أن ينجح في تحقيق هدفيه.

Back to top button