الفتاة والحاكم وزواج الضغينة

النشرة الدولية –

الثائر – اكرم كمال سريوي –

كان هناك قرية كبيرة، تعيش فيها عائلة ثرية، لديها أبنة جميلة، والكثير من الأراضي الزراعية الشاسعة، والخيرات الوفيرة، ثم راحت العائلة تبني مصنعاً ومدرسة وداراً للفنون وما الى ذلك، فطمع بها شاب أرعن مفتول العضلات قوي الشكيمة، وقرر اغتصاب الفتاة التي دافعت عن شرفها مع أهلها بشراسة منقطعة النظير.

كان الشاب الأرعن يضرب اخوته كل يوم، مما دفع بهم للوقوف في صف الفتاة، وتعاون الجميع على الفتى المغرور، وساعدهم في ذلك تاجر ثري قدم عبر المحيط، وتمكّنوا جميعاً من تحطيم الفتى ومحاصرته، فلم يحتمل حالة الضعف تلك، وأقدم على الانتحار.

بعد أن تخلصت القرية من الفتى الشرير استغل التاجر الثري حاجة أهل القرية لترميم منازلهم والتخلص من آثار الحرب، فقدّم لهم المال لقاء رهن ما يملكون من ذهب لديه، ووعد ان يعيده إليهم حالما يقومون بتسديد ديونهم .

في زهوة الشباب قرر الفتى الثري عقد اتفاق مع الفتاة الجميلة الثرية أيضاً ليتمكّن معها من حكم القرية، وقاما معاً باقتسام السيطرة والنفوذ على شوارع وأحياء القرية.

حاول الشاب بعد فترة إغراء الفتاة ببعض المال مقابل أن ترهن الذهب الذي يملكه أهلها لديه، ولكن الفتاة كانت تشك بصدق نوايا الشاب، الذي رغم مظهره الأنيق، كان خلال الحرب قد دمر منزلاً بكامله على رؤوس قاطنيه، غير آبه بالأطفال والنساء الذين كانوا بداخله، مستعملاً كبسولة سحرية من صنع الشيطان.

راودت الفتاة الشاب وحصلت منه على سرّ كبسولته السحرية، وعندما علم بأنها حصلت على سلاحه السري، استشاط غضباً وراح يوغر صدر أهل القرية ضدها، متهماً إيها بأنها كافرة ومن بنات الشيطان.

انقسم أهل القرية بين الفتى والفتاة وشكلوا حلفين، راحا يتنافسان ويتخاصمان على كل شيء، ورغب الشاب بتدمير الفتاة، لكنه خشي من أنه لو اقترب منها، ستفجّر به قنبلة الشيطان فيموتا معاً. وقرر بدل ذلك مهادنتها والزواج بها، منعاً لاندلاع الحرب مجدداً في القرية.

لم يكن عقد القران بينهما مبنياً على الحب بل على التقاء المصالح، فحافظ كل منهما على استقلاليته، وكان يُضمر الضغينة للآخر، ويحتفظ بخنجره حتى وهما على سرير واحد أو في نزهة مشتركة إلى الفضاء الخارجي، لكن القرار في القرية التي تحوّلت إلى ما يشبه المنزل الصغير، صار مشتركاً ومحصوراً بهما وحدهما فقط، وبات جميع من في القرية بمثابة أولاد لهما.

في بعض الأحيان كان الأخوة الكبار يصرّون على إثبات وجودهم وإبداء رأيهم في قضايا المنزل والأمور العالقة بين الأب والأم، لكن تأثيرهم في القرار بقي محدوداً، فالقرار ليس عندهم بل عند الأب والأم. أمّا الأخوة الصغار فكانوا يعتقدون أنهم هم يقررون مصيرهم بأيديهم، وأحياناً يتناقشون ويصرخون وقد يركل بعضهم بعض. دائماً كان الوالدان يراقبان ما يحصل بين الأولاد وفي بعض الأحيان كانا يتركان الأولاد يتخاصمون، لكن إذا وجدا أن الأمور ستخرج عن السيطرة والحدودها المرسومة لها كانا يقومان عندها بالتدخل والفصل بين الأولاد، وإرضاء كل واحد منهما بلعبة صغيرة، وإذا رفض أحد الأولاد الحل، فعندها يقومان بصفعه قليلاً على مؤخرته لتأديبه.

توفي والدا الفتاة وعانت هي بعد مدة من مشاكل صحية عديدة، وبدل اللجؤ إلى الطبيب، راحت تداوي نفسها بالخمر والأعشاب. فاستغل الشاب حالتها، وراح يتقرّب منها ويُقدّم لها مزيداً من الهدايا المُسكرة، حتى أصبحت مدمنة كحول وفي لحظة سُكرٍ شديد قامت الفتاة بطرد اخوتها من المنزل، وتخلّت عن حلفائها من أهل القرية، فأسرع الشاب إلى مواساتهم وقدّم لهم بعض الثياب وبقايا ما لديه من طعام، وأخذهم في رحلة إلى قصره الفخم، وأخبرهم أنه يمكن لكل واحد منهم امتلاك قصر مثله إذا استمعوا لنصائحه، وأوكلوا له إدارة ممتلكاتهم.

استحسن الجميع عرض الفتى، وقبلوا به، وأصبح الفتى حاكماً منفرداً يصول ويجول في القرية كيفما شاء، فهدم بيوت بعض معارضيه، وصادر ثرواتهم وأملاكهم، وشنق بعضهم، وقتل وأسر البعض الآخر. أما الإخوة الموعودون بالثراء، فرغم مرور سنوات عديدة لم تتحقق أحلامهم، ولكنهم ما زالوا يعتقدون أنهم سيحصلون عليها يوماً ما، وأن الفتى سيفي بوعوده وسيتقاسم معهم كل ما لديه من ثروات.

استفاقت الفتاة من سكرتها لتجد أنها دمرت معظم ما بناه لها والداها، فقررت أنها لن تقرب الخمر أبداً، وأقسمت أن تستعيد عافيتها، وتقف على قدميها، وتستعيد علاقاتها الجيدة مع اخوتها ومع أهل القرية.

لم تُعجب استفاقة الفتاة الحاكم الثري، فهو لم يعد يرغب بتقاسم نفوذه مع أحد، لذا قرر دفع النقود لأحد أخوة الفتاة الكبار، الذي يقطن بالقرب منها، في منزل كان مشتركاً بينهما، لكنها تنازلت له عن حصتها فيه، لأجل أبنائه الذين تعتبرهم بمثابة ابناء لها. وطلب الحاكم من الأخ أن يقوم بتربية أفعى سامة، ويُدخلها لاحقاً إلى غرفة نوم الفتاة.

أغرت النقود الأخ، فثار في وجه الفتاة ومنع أولاده من التحدّث معها، وعندما رفض بعضهم ذلك، قام بضربه بقسوة.

سمعت الفتاة صراخ الأطفال الذين راحوا يستغيثون بها، فدخلت إلى منزل الاخ واستعادة حصتها فيه، ومنعته من الدخول إلى غرف الأطفال، الذين استغاثوا بها.

استمر الأخ في عناده، واستمر الحاكم بدفع المال له وتحريضه على الفتاة، ووعده بمساعدته في استعادة كامل أجزاء المنزل بالقوة، لكن أحد الأطفال أخبر الفتاة بما يُحاك بين والدهم والحاكم ضدها داخل المنزل، فدخلت الفتاة إلى منزل الأخ على غفلة، وبدأت بجلده وساعدها أطفاله بذلك. استنجد الأخ بالحاكم وأهل القرية، لكن الجميع خشي من الكبسولة السحرية لدى الفتاة، فقرروا تجنّب الاشتباك معها، ووعدوا الاخ بإعطائه المزيد من المال إذا تحمل الألم، وبمكافأة كبيرة إذا استطاع خدش وجه الفتاة الجميل بأظافره، وقدموا له مشطاً حديدياً لإذيتها قدر الإمكان.

لكن الفتاة كانت تحمل عصاً غليظةً، كسرت بها يدي الأخ، وحطمت رجليه، وبات قادراً على الصراخ فقط، فيما الحاكم وأهل القرية يصرخون من بعيد، أنت بطل!! وانتظر سنعطيك المزيد من الهدايا، فقط إجرح وجه الفتاة.

سيمر الوقت وسيعلم الأخ أنه كان ضحية صلف وعنجهية حاكم القرية، وأن الفتاة قطعت رأس الأفعى، وحسمت أمرها باستعادة حصتها من المنزل، وليس أمامه سوى القبول بالواقع الجديد.

Back to top button