العنف الأسري والرق آفتان مستشريتان تستتران وراء جائحة كورونا
بقلم: بيل ترو
النشرة الدولية –
انتشر أخيراً مقطع فيديو قصير يظهر فيه رجل وهو يجر بلا مبالاة فظيعة عاملة إثيوبية من شعرها في الشارع في وضح النهار. تصرخ المرأة بملء حنجرتها بينما تمزق الأرضية الصلبة التي تحتها حذاءيها. يفلت الرجل شعرها لفترة وجيزة ليبدأ بضربها بوحشية. هناك أناس يشاهدون ما يحدث من شرفات منازلهم، ومن الواضح جداً أن هناك من يصور الواقعة.
صُوّر هذا الفيديو المزعج في منطقة تقع على بعد كيلومترات قليلة شرق العاصمة اللبنانية بيروت. وقال النشطاء الذين تمكنوا من العثور على المرأة هذا الأسبوع إنها الآن بأمان ولكن من المقرر إعادتها إلى بلدها يوم الاثنين. قالوا لي إن المهاجم، الشخص الذي كانت تعمل لديه، تعرض للاحتجاز لكن أفرج عنه بعد يوم واحد فقط. هذه الحادثة تذكير مؤلم بجائحة مستترة وراء واجهة وباء كورونا: العنف المنزلي والإيذاء العاطفي.
في عام 2020، حذرت مجموعات حقوقية في جميع أنحاء العالم من ارتفاع حالات العنف في المنازل خلال فترات الإغلاق التي فرضها فيروس كورونا والتي زادت الضغوطات النفسية والمالية على الأسر. على الرغم من أن هذا لم يؤثر بشكل حصري في النساء فإنه أثر بشكل كبير فيهن (وفقاً للأمم المتحدة، تتعرض امرأة من بين كل ثلاث نساء في جميع أنحاء العالم للعنف الجسدي أو الجنسي، في الغالب من شريكها العاطفي). على سبيل المثال، وجدت العاملات المنزليات المهاجرات في بلدان مثل لبنان، والمحاصرات بنظام كفالة شبيه بالعبودية ويعشن في الغالب مع أرباب أعمالهن، أنفسهن في الجبهة المستعرة لهذه الأزمة.
لكن الحقيقة هي أن هذه الجائحة المتستّرة لم تنتهِ بمجرد أن رفعت قيود الإغلاق. أخبرني عاملون حقوقيون أن حالات العنف -سواء كانت اعتداء جسدياً أو عاطفياً أو مالياً أو جنسياً- مستمرة في الارتفاع لأسباب عديدة، ليس أقلها فترات العزلة التي فرضها وباء كورونا والمشاكل الاقتصادية المرتبطة به.
هذا الكلام صحيح في لبنان إلى حد محبط. تزامن الوباء والانفجار غير المسبوق في بيروت في أغسطس (آب) عام 2020، وأسهما في واحدة من أكثر الانهيارات الاقتصادية المروعة في التاريخ الحديث.
سجلت الليرة اللبنانية هذا الأسبوع مستوى قياسياً جديداً فاق 30 ألف ليرة للدولار الأميركي الواحد، على الرغم من أنها لا تزال ثابتة [رسمياً] عند سعر 1500 ليرة. أسهم ذلك في وصول لبنان إلى أعلى معدلات التضخم في العالم، متجاوزاً فنزويلا وزيمبابوي. وهذا يعني أن أسطوانة غاز منزلية واحدة تكلف أكثر من نصف الحد الأدنى للأجور الشهرية، وأن تكلفة استخدام المولد الكهربائي لمدة أربعة أسابيع، وهو أمر ضروري في ظل غياب إمداد الدولة المواطنين بالتيار الكهربائي النظامي، تعادل ستة أضعاف الدخل الشهري المتوسط.
وبالطبع، كان الأشخاص الأكثر فقراً وضعفاً هم الأشد تضرراً. من بينهم ما يُقدر بـ250 ألف عاملة منزلية مهاجرة، يعملن في لبنان بموجب نظام الكفالة. يستخدم نظام الكفالة في دول الشرق الأوسط، ويحرم العمال من تدابير الحماية الأساسية مثل الحد الأدنى للأجور، أو العمل لساعات محددة، أو الحق في تغيير الوظيفة من دون موافقة رب العمل. حتى إن العاملين لا يكونون قادرين على استرداد جوازات سفرهم لمغادرة البلاد إذا أرادوا ترك العمل. وصلتني خلال العامين الماضيين رسائل من العديد من النساء العالقات في منازل مُشغِّليهن، حيث يُجبرن على العمل من دون الحصول على المال أو الطعام المناسب.
بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، اضطر أرباب الأعمال في لبنان منذ بداية انتشار الوباء والانهيار الاقتصادي إلى ترك مئات العمال خارج القنصليات أو السفارات، الذين لم يحصلوا غالباً على المال أو جوازات سفرهم أو متعلقاتهم أو تذاكر للرجوع إلى بلادهم. حتى إن أحد أصحاب العمل قام بعرض عاملة منزلية نيجيرية “للبيع” ضمن منشور على صفحة في “فيسبوك” تُستخدم للاتجار بالأغراض المستعملة.
وكما يُظهر مقطع الفيديو الكئيب المنتشر هذا الأسبوع، فإن العمال المهاجرين المحاصرين في هذا النظام [الواقعين في براثنه] معرضون بشكل متزايد للإيذاء الجسدي أيضاً.
لا يمكننا أن ندع تفاقم العنف الأسري بجميع أشكاله يسقط من جدول الأعمال. إنها مشكلة تؤثر في المنازل، ليس فقط في لبنان، بل في كل دولة وفي كل بلدة وعلى الأرجح في كل شارع.
هذا الأسبوع، وبينما كانت الجماعات الحقوقية تحذر من إساءة معاملة عاملات المنازل في لبنان، شاهدتُ أيضاً بالصدفة مسلسل “الخادمة” Maid – وهو سلسلة قصيرة مثيرة للغاية تدور حول أم أميركية فقيرة تعمل في المنازل تدعى أليكس، تواجه صعوبات في سبيل التحرر من شريكها الذي يسيء معاملتها، في حين أنها غافلة حتى عن كونها ضحية للعنف المنزلي.
منذ صدور العمل في أكتوبر (تشرين الأول)، أثار كماً كبيراً من الردود من العديد من النساء اللائي رأين تشابهاً بين تجاربهن الخاصة التي عشنها خلال فترات الإغلاق العام وقصة المسلسل. لذا، نحتاج إلى الإبقاء على هذا النقاش مستمراً [عوض إهماله وطمسه].
لا يجري مسلسل “الخادمة” أثناء جائحة كورونا، لكن عندما شاهدته أثناء خضوعي للحجر الصحي بسبب الفيروس، لم أستطع مقاومة فكرة أن الخيوط الواهية التي أدت إلى إنقاذ حياة أليكس في نهاية المطاف تبددت تماماً أثناء الوباء، ببساطة لأن عزلة البطلة كانت ستزداد.
أفادت خدمات خطوط الهاتف الساخنة الخاصة بالعنف المنزلي أن فترات العزل التي فرضها فيروس كورونا والآثار المرتبطة بالجائحة تتيح للمعتدين على نحو متواصل بلوغ مستويات متطرفة جديدة من فرض السيطرة [التحكم] إلى أقصى حد، حيث وصلت حد الكذب بشأن مخاطر الوباء، واختلاق قواعد [مزعومة] للإغلاق، والتحكم في الوصول إلى المال ووسائل التواصل مع العالم الخارجي.
صحيح أن حديثي في هذا المقال كان بشكل رئيس عن النساء، لكن الإساءة بالطبع ليست فعلاً ما تواجهه النساء حصرياً. غالباً ما يكون الحديث عن الرجال من ضحايا هذا النوع من الإساءات والناجين منها كالحديث عن المحرمات. الآن وأكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى مواصلة الحديث علناً عن العنف المنزلي بأشكاله كافة والتأثير المستمر للجائحة – من الأمهات اللواتي يتعرضن للإيذاء العاطفي في الولايات المتحدة إلى العبودية الحديثة في لبنان.