بايدن.. يمسك العصا من الوسط
بقلم: تاج الدين عبد الحق

النشرة الدولية –

بحلول العشرين من يناير الجاري، يكون الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد أنهى السنة الأولى من ولايته، التي من المقرر أن تستمر حتى يناير من عام 2025.

وإذا استبعدنا العام الثالث والأخير باعتباره عام تجديد الولاية، يبقى أمام بايدن عامان، لمواجهة جبل من الاستحقاقات التي ورثها عن سلفه دونالد ترامب، لإنجاز انقلابه الموعود على إرث وقرارات الرئيس السابق.

بايدن بدأ ولايته بدايةً استعراضية ألغى بها معظم القوانين والقرارات التي أصدرها ترامب، لكن هذا الانقلاب أخذ طابعا مرتبكا وبنكهة انتقامية، تبين منها أن بايدن لم يكن لديه برنامج واضح للتعامل مع استحقاقات ما ألغاه من قرارات وقوانين.

لم تستطع السياسة الأمريكية الحالية أن تتحرر من الالتزامات التي ورثتها من الحقبة الترامبية، كما أنها وجدت – في الوقت نفسه – صعوبة في التخلي عن الإنجازات التي حققها الرئيس السابق بقراراته وقوانينه المثيرة للجدل، حتى لو لم تعترف الإدارة الجديدة بها أو قامت بالانقلاب عليها.

وقد دفع بايدن ثمن انقلابه على ترامب مبكرا، فجاء الانسحاب العسكري المتعجل من أفغانستان، ليجهض مسعى سلفه لإبرام اتفاق مع حركة طالبان، يضمن أولا انسحابا منظما للقوات الأمريكية، ويسمح ثانيا بتوفير مظلة سياسية لشراكة محتملة بين الحركة والحكومة الأفغانية الموالية للولايات المتحدة.

في الجوهر، كان الانسحاب من أفغانستان هو قرار للحزب الجمهوري، الذي كان قد انخرط في محادثات مع حركة طالبان من جهة، وعمل من جهة أخرى على بناء جيش أفغاني قادر على ملء الفراغ الذي يخلفه انسحاب القوات الأمريكية.

وقد أراد بايدن أن يجير هذا القرار لصالح الحزب الديمقراطي، ليكون الإنجاز الأول لإدارته، لكن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر، فما كان يظنه قطفا مبكرا لثمرة انسحاب مجانية بلا ثمن سياسي، جاء بمثابة فضيحة مدوية، أعادت للأذهان مشهد الانسحاب الأمريكي المخجل من فيتنام في السبعينيات بكل ما تركه ذلك الانسحاب من ندوب على الحياة الأمريكية لعقود طويلة، وعلى سياسات الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض.

الانسحاب من أفغانستان كان مثلا مبكرا على قرارات لبايدن ظلت تعكس سياسة الإمساك بالعصا من الوسط، فلا هو ألغى ما كان يعتبره خطايا لترامب، ولا هو قدم بدائل تصحح تلك الخطايا.

ومن الأمثلة على تلك السياسة، العودة للاتفاق النووي مع إيران، الذي وعد بايدن خلال حملته الانتخابية بالعودة إليه، رغم أن الغاءه بيّن أنه وفر فرصة للإدارة الأمريكية لمراجعة كثير من الثغرات في الاتفاق الملغى، وأنه يصحح بعض النتائج التي أصابت علاقات الولايات المتحدة بالعديد من الدول في مقتل.

والأكثر من ذلك، فإن إدارة الرئيس بايدن بالعودة عن قرار إلغاء الاتفاق النووي، والبدء بمفاوضات لإحيائه، قدمت اعترافا ضمنيا بأن الغاء الاتفاق كان خطأ تتحمل واشنطن وزر تصحيحه، وهو ما وفر لطهران فرصة واسعة للمناورة في المفاوضات الجارية حاليا في فيينا لإحيائه.

وحتى العلاقة مع الصين وروسيا الاتحادية التي كان الكثير من المحللين يعتبرون انتكاساتها، تعبيرا عن رعونة ترامب وسياساته، فإن بايدن لم يستطع الخروج من عباءة الأزمة مع هاتين القوتين، بل إن الأزمة معهما تتفاقم وتتحول إلى توتر ينذر بالكثير من العواقب على المديين القصير والمتوسط.

إلى ذلك، فإن بعض العلاقات الإقليمية بالولايات المتحدة التي كانت تشهد بعض التحولات في عهد الرئيس ترامب، تشهد نوعا من الشد أحيانا والجذب أحيانا أخرى، للدرجة التي تعطلت فيها بعض الإنجازات التي حققتها إدارة ترامب..

ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تعطيل حصول الإمارات العربية المتحدة على طائرات إف 35، بعد أن فرضت الإدارة الأمريكية شروطا تعجيزية غير مبررة، لإتمام الصفقة، كذلك الحال وضع عقبات أمام السعودية للحصول على بطاريات باتريوت، وهو ما قد يدفعها للبحث عن أنظمة دفاعية بديلة.

وإذا استثنينا بعض الإنجازات الداخلية على صعيد احتواء جائحة كورونا، والتشغيل وتقليص البطالة، فإن الأوضاع الداخلية بالولايات المتحدة ترسل إشارات مرتبكة عن الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وهو ما سيضيف أعباء جديدة عند جرد الحساب لفترة حكم بايدن، المهددة أصلا بألّا يكون هناك تجديد لها في الانتخابات المقبلة، إن لم تؤدِ إلى عودة مبكرة للجمهوريين إلى البيت الأبيض من جديد.

 

زر الذهاب إلى الأعلى