أبعد من مفاوضات فيينا… قرارات أميركية خدمت إيران
بقلم: رفيق خوري
ما تهرب منه واشنطن سيجبرها على العودة إلى المنطقة التي تزداد صراعاتها
النشرة الدولية –
مفاوضات فيينا النووية تراوح بين النجاح والفشل. كل المشاركين في التفاوض يراهنون على النجاح، لكن عوامل الشد إلى الوراء قوية في أميركا وإيران. والغائب الأكبر عن المفاوضات هو الشرق الأوسط الأكثر تأثراً بالنتائج، حيث إن الفشل مشكلة بالنسبة إليه والنجاح مشكلة أيضاً. النظام الإيراني تفاوض من موقع قوي، لأن الغرب الأميركي والأوروبي يفاوض من موقف ضعيف. فهو يتلاعب بأميركا وأوروبا، ويلعب مع روسيا والصين. وهو فرض جدول الأعمال: لا بحث في أي أمر خارج الاتفاق النووي لعام 2015. لا مفاوضات مباشرة مع أميركا. لا تراجع عن خرق التزاماته بموجب الاتفاق بعد خروج إدارة الرئيس دونالد ترمب منه، إلا بعد رفع العقوبات الأميركية كلها، والتأكد من التنفيذ وتقديم ضمان بعدم الخروج من الاتفاق وعدم فرض عقوبات في المستقبل. وإدارة الرئيس جو بايدن قبلت التفاوض غير المباشر من خارج قاعة المفاوضات، التي تدور بين إيران وكل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. وتخلّت عمّا كانت تصرّ عليه من اتفاق “أطول عمراً وأقوى”، وبحث في البرنامج الصاروخي الإيراني، والسلوك المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط. وهي مرشحة الآن لتكرار الغلطة التي ارتكبتها إدارة الرئيس باراك أوباما، بتطويع كل السياسة الأميركية في المنطقة للتوصل إلى اتفاق نووي من دون أي بحث في النفوذ الإقليمي الإيراني. والحجة هي أن التوصل إلى اتفاق سيكون “الأفضل لأمن أميركا وأمن حلفائها وشركاتها”، كما يقول وزير الخارجية أنتوني بلينكن. وهذا أيضاً ما يدعو إليه البروفيسور والي نصر أستاذ كرسي مجيد خدوري لدراسات الشرق الأوسط والقضايا العالمية في جامعة جونز هوبكنز في مقال نشرته “فورين أفيرز” تحت عنوان: “الكل ضد الكل”.
ذلك أن والي نصر، الأميركي من أصل إيراني، يربط استقرار الشرق الأوسط بالاتفاق النووي، وترتيب نظام أمني إقليمي يختلف عن اقتراح أوباما الذي أغضب أصدقاء أميركا العرب، وهو “تقاسم النفوذ” في المنطقة بين السعودية وإيران. ولم يغفل مخاطر الصراعات الطائفية التي لعبت طهران دوراً كبيراً في تأجيجها، لكنه يعيد التذكير بثلاثة قرارات أميركية أفادت منها طهران في مد نفوذها. القرار الأول في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وهو غزو العراق وإسقاط نظامه ودولته برئاسة صدام حسين، بحيث “زال أقوى حاجز عربي أمام امتداد النفوذ الإيراني إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن”. والثاني في عهد أوباما، وهو رفض العمل على إسقاط النظام السوري برئاسة بشار الأسد بسبب الحرص على التوصل إلى الاتفاق النووي، الأمر الذي أعطى طهران “فرصة جديدة لتقوية النفوذ”. والثالث هو قرار ترمب الخروج من الاتفاق، والذي”نجح في الأضرار بالاقتصاد الإيراني وزيادة السخط السياسي والبؤس الاجتماعي، لكنه قدم لإيران العذر لزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب، وجعلها قوة أكبر في المنطقة”.
وها هي إدارة بايدن تكمل ما فعله أوباما من خلال الأشخاص أنفسهم: بايدن الذي كان نائب الرئيس، وبلينكن، ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان كمساعدين، وروبرت مالي المفاوض الرئيس هذه المرة في غياب الوزير جون كيري. وفي الأجواء أحاديث عن “قناة خلفية” للتفاوض الأميركي – الإيراني في مسقط برعاية سلطنة عمان، كما حدث أيام أوباما. فما تراهن عليه الإدارة هو منع خطر داهم يتجلى في اقتراب إيران من صنع قنبلة، وخفض التوتر الإقليمي للتركيز على مواجهة الصين وروسيا في الشرق الأقصى. والمفارقة أنها تخفف التزاماتها في الشرق الأوسط وقت انخراط روسيا والصين فيه.
لكن من الوهم ترك الشرق الأوسط من دون نظام إقليمي فعال. فما تعمل له إيران عبر ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، هو إخراج أميركا من “غرب آسيا” لكي تتحكم هي بالشرق الأوسط. وما تهرب منه واشنطن سيجبرها على العودة إلى المنطقة التي تزداد صراعاتها. والوهم الأكبر، على الرغم من أن بعض القيود في الاتفاق سينتهي قبل نهاية عهد بايدن، فالتجربة العملية أكدت أن إيران صارت “دولة – عتبة” نووية، وتملك الوسائل والمعرفة لصنع قنبلة. وهي تريد الحصول في وقت واحد على ثلاثة: الاتفاق، ورفع العقوبات، والقنبلة النووية، وسط الحفاظ على نفوذها المتوسع في المنطقة.