الورقة البيضاء وعدم المشاركة مَنْ تخدم؟ ولصالح مَنْ تُجيّر في الانتخابات؟
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

لم تكن الورقة البيضاء في قانون الانتخاب الأكثري السابق في لبنان، ذات تأثير في نتائج الانتخابات. أمّا في القانون الحالي، فهي تؤثّر كثيراً على النتائج، ففي صالح مَنْ يكون الأقتراع بورقة بيضاء؟؟؟

يعمد بعض الناخبين إلى عدم المشاركة في الانتخابات، أو إلى وضع ورقة بيضاء، كتعبير عن موقف اعتراضي، دون أن يعلم هؤلاء لمن يُقدّمون خدمة عبر موقفهم هذا.

إن عدم المشاركة في الانتخابات يفسح المجال، لنجاح مرشّحين بعدد قليل من الأصوات، رغم عدم تمثيلهم الصحيح لأراء وتوجهات الشعب والناخبين. وهذا ما حصل جلياً في انتخابات 1992 عندما قاطع المسيحيون الانتخابات، ففاز بعض النواب بعدد قليل من الأصوات. في جبيل مثلاً اقترع 4167 ناخباً، وفازت مهى الخوري ب 41 صوتاً فقط، والعميد ميشال الخوري ب 130 صوتاً.

أما في انتخابات 2018 فقد اقترع في دائرة زحلة 94,821 ناخباً من أصل 493,411 ناخباً، وبلغت النسبة 19%؜ فقط، وهذا جعل الحاصل الانتخابي ينخفض من 70,478 فيما لو كانت المشاركة بنسبة مئة بالمئة، إلى 11,312 بسبب نسبة الاقتراع المنخفضة.

عند احتساب النتائج يتم احتساب الأوراق البيضاء مع عدد الأوراق الصالحة. فلو اقترع مثلاً في دائرة انتخابية 100 الف ناخب، وكان بينهم خمسة آلاف ورقة ملغاة، بسبب الأخطاء الذي يرتكبها الناخبون، وكان هناك 15 الف ورقة بيضاء مثلاً، وكان عدد نواب الدائرة خمسة نواب، فعندها سيكون الحاصل الانتخابي، هو حاصل قسمت 95 الف (الأوراق المعوّل عليها زائد الأوراق البيضاء) على 5، أي سيساوي 18 الف صوت، بينما لو لم يقترع هؤلاء بورقة بيضاء، وامتنعوا عن التصويت، كان عدد الناخبين سيكون 85 الف، وبعد حسم 5 آلاف ورقة الملغاة، وقسمة الباقي (80 الف) على عدد النواب، سيكون الحاصل الانتخابي 16 الف صوت.

ينص قانون الانتخاب على استبعاد كل لائحة لا تحصل على حاصل انتخابي. فلو كان في هذه الحالة هناك لائحة حصلت على 17 الف صوت، فإنه سيتم استبعادها، وعدم تخصيصها بمقعد نيابي، كونها لم تجمع حاصل انتخابي(18 الف). بينما لو امتنع أصحاب الورقة البيضاء عن الاقتراع كما في المثل أعلاه، كانت ستحصل هذه اللائحة على مقعد، كونها حصلت على أكثر من الحاصل الانتخابي (16 الف).

باختصار فإن الورقة البيضاء تخدم اللوائح الكبرى، وتحرم اللوائح الصغرى من تحقيق الفوز، لهذا السبب تعمد بعض الأحزاب إلى تشجيع المشاركة ولو بورقة بيضاء، بغية رفع الحاصل الانتخابي في الدائرة، وإسقاط اللوائح الصغرى، وبعد إسقاط مجموع الاصوات الني حصلت عليها اللوائح التي يتم استبعادها، يُعاد احتساب الحاصل الانتخابي من جديد.

فلو كان في المثل الذي عرضناه، يوجد أربع لوائح؛ حصلت الأولى على 30 الف صوت، والثانية على 20 الف، والثالثة على 17 الف، والرابعة على 13الف، فسيتم استبعاد اللائحتين الثالثة والرابعة، اللتين لم تجمع أي منهما 18 الف صوت، وثم سيعاد احتساب الحاصل من جديد، بقسم العدد الباقي أي 50 الف، على عدد المقاعد(5) وسيكون الحاصل الانتخابي الجديد 10 آلاف صوت، وستفوز اللائحة الأولى بثلاث مقاعد، والثانية بمقعدين. بينما لو اتّحدت اللائحتان الثالثة والرابعة، كان مجموع أصواتهما 30 الف صوت، وكانتا ستفوزان بمقعدين نيابين، بمعدّل واحد لكل منهما، ستنتزعهما من حصة اللائحتين الأولى والثانية.

وهنا تكمن أهمية اتحاد اللوائح الصغرى، في مواجهة لوائح التحالفات الانتخابية الكبرى.

فإذا كانت عدم المشاركة في الانتخابات تُفقدها المصداقية والتمثيل الديمقراطي الصحيح، فإن الورقة البيضاء أيضاً تشوّه العملية الانتخابية، وتصبّ في مصلحة اللوائح الانتخابية الكبرى، التي عادةً تنظّمها الأحزاب بتحالفات آنية مشتركة.

هناك عامل آخر طبعاً يخدم هذه الأحزاب، وهو كثرة اللوائح وتشرذم القوى الصغرى، فهذا عادة يؤدي إلى عدم حصول أي من هذه اللوائح على الحاصل الانتخابي، وبالتالي يتم اسقاطها كما بيّنا في المثل أعلاه. وهذا ما حصل مع لوائح ما يسمى بالمجتمع المدني، في الانتخابات الماضية، بحيث حصلوا في مختلف دوائر لبنان على ما يقارب 59 الف صوت، دون أن يحققوا الفوز سوى بمقعد واحد في دائرة بيروت الأولى. وهذا السيناريو في تشتت الاصوات المعارضة لاحزاب السلطة والتحالفات الانتخابية الكبرى، من المرجّح أن يتكرر في الانتخابات القادمة. ولهذا السبب يرى المراقبون، أن التغيير في المجلس النيابي، في الانتخابات القادمة إن حصل، سيكون طفيفاً .

**رئيس التحرير

زر الذهاب إلى الأعلى