ديمقراطية قرارات مجلس الأمن في الحالة الروسية الأوكرانية، بين الجريمة الدولية وحق الفيتو
النشرة الدولية –
د. الياس نبيل حسون، باحث في القانون الجنائي الدولي.
تعود جذور الحملة العسكرية للقوات الروسية في أوكرانيا إلى تسعينيات القرن الماضي، ففي كانون الأول من عام 1991، كانت أوكرانيا من بين الدول التي بصمت على إنتهاء الحقبة التاريخية للإتحاد السوفياتي، غير أن روسيا أرادت، عن طريق الغاز، الإحتفاظ بالسيطرة غير المباشرة على دول الجوار، فنجحت بترويض بيلاروسيا وأخفقت مع جارتها أوكرانيا التي كانت أنظارها مسلطة نحو الغرب. وصولاً إلى عام 2007 مع “حركة الميدان الأوروبي”، حيث بادرت الدولة الأوكرانية جدياً ورسمياً التفاوض لإبرام عقد إنضمام مع الإتحاد الأوروبي. تميزت الفترة بين 2013-2014، بمظاهرات مؤيدة لأوروبا وتلاها، منذ 2014، تحرك روسي ميداني جديّ بإحتلاله شبه جزيرة القرم التي ضُمت فيما بعد إلى أراضي الدولة الروسية، بالإضافة إلى منطقة دونباس حيث أعلنت الكيانات الانفصالية في دونيتسك ولوهانسك استقلالها، على التوالي في نيسان وأيار من العام نفسه.
بعد التعزيز التدريجي للوجود العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، وبينما كانت أوروبا منشغلة بالفعل بالإدارة الدقيقة لوباء كورونا، ولم تلحظ أزمة الهجرة المدبرة من بيلاروسيا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسميًا في 21 شباط 2022، الإعتراف بإستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين.
وبعد أيام قليلة وبتاريخ 24 شباط، شنّت القوات المسلحة الروسية هجومًا بريًا وجويًا وبحريًا على كامل الأراضي الأوكرانية، في إطار ما تم تبريره على أنه “عملية عسكرية خاصة” تهدف إلى إنقاذ البلاد وحماية السكان، مع تأكيدها على أنهم ضحية ترهيب، بل وحتى إبادة جماعية، من قبل كييف، والإصرار على حقيقة أن الأوكرانيين والروس سيشكلون شعباً واحداً.
لم تقنع هذه المبررات الرأي العام العالمي، فمنذ بدء الهجوم العسكري الروسي الواسع على أوكرانيا، تضاعفت الإدانات للإنتهاك الواضح للمبدأ الأساسي لحظر استخدام القوة المسلحة بين الدول المنصوص عليه في الفقرة الرابعة من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، بالإضافة الى الإستنكار والرفض لهذا الهجوم من قبل عددٍ كبير من المجالس والإتحادات الدولية.
من هنا برزت مسألة إستبعاد التدخل المباشر لمجلس الأمن الدولي مرتطماً بمبدأ ديمقراطية قراراته المقيدة تحت رحمة حق الفيتو.
فمنذ إنشائه عام 1945، لم يتمكن هذا المجلس من منع حرب بدأها أحد أعضائه الدائمين الذين منحوا حق النقض، سواءً كانت الولايات المتحدة في العراق في عام 2003 أو في حالة روسيا وأوكرانيا اليوم. ومن المفارقات أيضاً، أن الهجوم على أوكرانيا قد بدأ في ظل الرئاسة الروسية لمجلس الأمن، بعد دقائق فقط من بدء جلسة طارئة مصممة خصيصًا لاحتواء خطر تصعيد التوترات بين البلدين، ولكن مشروع قرارٍ قدم في اليوم التالي في مجلس الأمن، تهدف من خلاله كلّ من الولايات المتحدة وألبانيا إلى إعادة التأكيد على سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا والدعوة إلى الإنسحاب الفوري للقوات الروسية من البلاد، لم يبصر هذا القرار النور حيث استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) على الرغم من حصوله على 11 صوتًا لصالح سيادة الأراضي الأوكرانية وامتناع 3 دول عن التصويت (الصين والهند والإمارات العربية المتحدة).
أما السؤال الذي يطرح في ضوء الإنتهاك الصارخ لأحكام المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بحظر استخدام القوة المسلحة بين الدول”هل يمكن إستبعاد روسيا من مجلس الأمن؟”
حددت المادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة أحكام قرار الإستبعاد لأي دولة عضو، فقد نصت صراحةً على أنه: “إذا أمعن عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن”. يظهر جلياً في نص المادة السادسة أنه يعود لمجلس الأمن أولاً أن يوصي بالفصل، هذا ما يحتم بطبيعة الحال عدم إمكانية تجاوز عقبة سلطان الفيتو “النقض” المعطى للدول الخمسة ومن بينهم روسيا ما يجعل أي استبعاد مستحيلًا.
من جانب آخر، إذا كان بإمكان الجمعية العامة أن تقرر، بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمصوتين، تعليق حقوق وامتيازات أي عضو إستناداً إلى ما نصت عليه المادتين 5 و18 من ميثاق الأمم المتحدة، حيث إشترطتا علىأن يكون “عضوًا في المنظمة سبق أن إتخذ مجلس الأمن إجراءات وقائية أو قسرية ضده”، وهذا ما يمكّن الدولة الدائمة العضوية أن تتصدى له مستعملةً حق النقض.
وفي ظل عدم وجود مثل هذا الإحتمال للإستبعاد من مجلس الأمن، فإن لجوء الدولة المعتدية إلى حق النقض للتهرب من أي إدانة دولية يبدو أكثر تشاؤمًا وغير مقبول، لأن حق النقض هذا قد وُضع بهدف ضمان احترام قيم السلام التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة، والغير مقبول على الإطلاق أن يصار إلى استخدامٍ تعسفيٍ لحق النقض بحيثيقوّض مصداقية الأمم المتحدة كجهاز للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، مما يمنح الأعضاء الدائمين شكًا على بياض لانتهاك القانون الدولي.
وباعتراف الجميع، فإن مقعد العضو الدائم في مجلس الأمن ليس أبديًا، رغم أنه مرتبط إرتباطًا وثيقًا بالقانون التأسيسي للأمم المتحدة. لذلك يمكن أن يتطور هيكل المجلس فقط إذا تم تعديل الميثاق، الأمر الذي يتطلب ليس فقط أغلبية ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، ولكن أيضًا عدم وجود معارضة من أحد الأعضاء الدائمين.
وأخيراً، وبعد الانتقادات المتكررة للطبيعة غير الديمقراطية لمجلس الأمن، تم تقديم إقتراحات إصلاحات مختلفة تهدف إما إلى إلغاء حق النقض أو وضعه جانباً في حالة حدوث انتهاكات جسيمة، أو إلغاء فئة العضوية الدائمة. وللوقت الراهن، ظلت كل هذه المقترحات حبراً على ورق.