تزويد لبنان بالغاز المصري هل هو لقطع الطريق أمام النفط الإيراني؟

"المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الضخ وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها"

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – سوسن مهنا –

يتطلع لبنان الغارق في أزماته بحثاً عن بارقة ضوء تخرجه من “ظلمة” أزماته المتراكمة، وعلى الأخص أزمة الأزمات أي الكهرباء، ويستمر مسؤولو البلد بإغداق الوعود بالحلول منذ ما بعد الحرب الأهلية (1989-1990)، لكن لم تنجح أي من وزارات الطاقة المتعاقبة في تنفيذ خطط علاجية، بل أتت الحلول هشة ترقيعية وبقيت المولدات العشوائية كحل بديل، وتقاسمت الأحزاب السياسية والطائفية المسيطرة غنائمها من تعريفات المولدات، كل بحسب موقع منطقته الجغرافي، علماً أن الوزارة تعاقب عليها وزراء من مختلف الأحزاب، “حركة أمل” و”حزب الله” و”التقدمي الاشتراكي” و”التيار الوطني الحر” وغيرهم.

فشل الجميع في حل المعضلة التي تفاقمت حتى أصبحت شرطاً دولياً كمدخل أساس للإصلاح ومن متطلبات صندوق النقد الدولي، ويخسر لبنان سنوياً نحو 200 مليون دولار كلفة اقتصادية واجتماعية وبيئية بسبب انقطاع الكهرباء، وراكم هذا القطاع خسائر تمثل حوالى 45 في المئة من إجمالي الدين العام بسبب ترهل القطاع وروائح السمسرة والفساد الذي تخرج من كل مناقصة تطرح، فاستعيض عن معامل الإنتاج الكهربائي باستئجار بواخر، في تسوية أثبتت فشلها وهدرها للمال العام.

خط الغاز العربي

وفي الثامن من سبتمبر (أيلول) 2021، استضاف الأردن اجتماعاً وزارياً لدول خط الغاز العربي، (مصر والأردن وسوريا ولبنان)، وتم الإعلان عن اتفاق إيصال الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر الأراضي الأردنية والسورية، وتقديم خطة عمل وجدول زمني لتنفيذ ذلك في أسرع وقت لمساعدة اللبنانيين في الخروج من محنة الطاقة، بحسب البيان.

هذا الإعلان جاء بعد حديث إعلامي للسفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، في 19 أغسطس (آب)، أشارت خلاله إلى أن هناك “خطة حل تبحث منذ أسابيع عدة مع جهات دولية وإقليمية كثيرة كرد على السفينة الإيرانية”، وأشارت إلى أن “المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز”، وهذا ما كانت أبلغته لرئيس الجمهورية ميشال عون عبر اتصال هاتفي.

السفينة التي تحدثت عنها شيا هي ناقلة النفط الإيرانية التي كان الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله أعلن عنها بأنها قد أبحرت حينها وهي في طريقها إلى لبنان، واتهم نصرالله الولايات المتحدة بأنها هي “مصدر الأزمة في لبنان”، وقال إن “السفارة الأميركية في لبنان تحرّض وتفرق الشعب، أنا أقول للبنانيين لا تعتمدوا على الأميركيين، تعلّموا وخذوا درساً مما جرى في أفغانستان”.

الغاز العربي قد لا يكون عربياً بالكامل

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بثت “قناة 12” الإسرائيلية تقريراً بعنوان “هل يصل الغاز الإسرائيلي إلى حزب الله؟”، أشارت خلاله إلى أنها ستطلع الجمهور على أصل الغاز الذي سينقذ لبنان من الظلام الناجم عن النقص الحاد في الكهرباء، وإن بدا الغاز مصرياً وبمسار عبر الأردن وسوريا، لكنه سيكون إسرائيلياً، بحسب التقرير.

ويشرح معد التقرير إيهود يعاري أنه أول من أماط اللثام عن جنسية الغاز، باستثناء إصدار واحد أو اثنين في الصحافة المتخصصة في مجال الطاقة، والتي تم حظرها لعامة الناس بسبب ارتفاع أسعار الاشتراك. وقال إنه يمكن للحكومة الإسرائيلية أن “تظل صامتة في هذه الأثناء. من الجيد جداً لرئيس النظام السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ألا يناما على حرير، كما لو كان الغاز المصري سيتدفق إلى لبنان في غضون عام أو أكثر، إذا سارت الأمور على ما يرام”.

وبحسب التقرير فإن الفكرة العامة لمشروع تزويد لبنان بالغاز تتلخص في استخدام “خط الغاز العربي” الذي سيمتص الغاز المتدفق إلى العقبة في الأردن من نقطة جنوب طابا المصرية، عبر خط أنابيب في قاع البحر الأحمر، ومن هناك عبر الأردن إلى سوريا، وتبدو عملية النقل بمثابة مشروع هندسي عادي إلى حد ما، لكنه ليس بسيطاً أو ممكناً حقاً. ويضيف التقرير أن هناك سببين للاستنتاجات حول جنسية الغاز الذاهب إلى لبنان، الأول أن خط الأنابيب في شمال سيناء والذي من المفترض أن يضخ المصريون غازهم من خلاله إلى الأردن “محتل” بالغاز القادم من إسرائيل، ويتدفق في الاتجاه المعاكس غرباً إلى مصر، ولذلك إذا أريد أن يتدفق الغاز من العريش جنوباً أولاً إلى البحر الأحمر، فلا خيار سوى تدفق الغاز الذي تشتريه مصر من حقل “ليفياثان” الإسرائيلي الكائن في بحر حيفا.

والسبب الثاني أن القسم الشمالي من “خط الغاز العربي” في الأردن يستخدم لتدفق الغاز من “ليفياثان” جنوباً إلى محطتي الكهرباء في منطقتي الزرقاء وسمارة في الأردن، ومن أجل نقل الغاز إلى سوريا يجب الحصول على مزيد من الإمدادات “المصرية” من الجنوب التي ستسمح بتحويل الغاز من حقل ” ليفياثان الحوت” إلى الشمال، وفي ذلك افتراض بأن الغاز المصري غير كاف وحده للقيام بالمشروع، وأيضاً دخول الغاز الإسرائيلي على خط الأنابيب مع الأردن أيضاً. ويخلص التقرير إلى أنه “بالنسبة إلى بشار الأسد يعتبر المشروع بمثابة تذكرة عودة إلى الدائرة العربية، ويمكن إنقاذ الأسد خطوة بخطوة من الحضن الإيراني، بحسب الرؤية الأردنية والمصرية”.

اتفاق التوريد

ليست المرة الأولى التي تعلن فيها وسائل الإعلام الإسرائيلية أن “الغاز الذي سيورده الأردن عبر خط الأنابيب إلى سوريا ومن هناك إلى لبنان سيأتي من إسرائيل”، وذلك في تقرير للقناة الإسرائيلية نفسها نشر يوم 16 يناير (كانون الثاني) الحالي نقلته وكالة “بلومبيرغ”، قالت فيه إن “واشنطن تستثني هذه الخطوة بسبب العقوبات التي فرضتها على النظام السوري، وسيكون الغاز الذي سيصل إلى الأردن ومن ثم إلى لبنان من خزاني تامار وليفياثان الإسرائيليين”، وإن الصفقة تم توقيعها سراً خلال عطلة نهاية الأسبوع بوساطة المبعوث الخاص لواشنطن ومنسق شؤون الطاقة الدولية عاموس هوشستين.

رسمياً، كذّبت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية التقارير الإسرائيلية حول رعاية واشنطن اتفاق توريد غاز إسرائيلي إلى لبنان، مؤكدة أن نص الاتفاق صريح من ناحية نقل الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى لبنان، وأيضاً نفت الخارجية الأميركية صحة التقارير عن رعاية واشنطن صفقة في مجال الطاقة بين لبنان وإسرائيل تنقل بموجبها إسرائيل كميات من الغاز إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.

ونفى وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض مرور خط الإمداد بإسرائيل، وأشار إلى أنه سيمر عبر العقبة، مؤكداً في حديث إعلامي أن الجانب المصري أكد له ولرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن مصدر الغاز مصري 100 في المئة، مضيفاً أن لبنان يتعاقد مباشرة مع مصر وهو غير معني بعلاقاتها التجارية ولمن تصدر الغاز، وأن بلاده في نهاية المطاف ستحصل على غاز من سوريا التي تحتاج إلى الغاز المصري بسبب التعديات على خطوطها خلال الحرب.

حقل “ليفياثان”

بدأ الإنتاج في حقل “ليفياثان” للغاز الطبيعي عام 2019 مع أن تاريخ اكتشافه كان عام 2010، بعد سنة واحدة على اكتشاف حقل “تمار” الذي بدأ الإنتاج فيه عام 2013.

ويقع “ليفياثان” على بعد 80 ميلاً قبالة الشواطئ الإسرائيلية، وتمر الإمدادات عبر منشآت تكرير على الحفارة المشيدة على بعد ستة أميال من الشاطئ لتصل بعدها إلى البر الرئيس في قرية “دور”، وتندمج في شبكة غاز تمتد في أرجاء البلاد كافة.

ويلبي حقل “تمار” الأصغر جزءاً كبيراً من طلب إسرائيل المحلي على الكهرباء، وهو حقل أقرب من الشاطئ جنوباً في أشدود، وعليه تم إبرام عقود لتزويد الأردن ومصر بغاز “ليفياثان”، وبخلاف منصة “تمار” التي تبعد 13 ميلاً عن البر الرئيس تم تركيب منصة “ليفياثان” أقرب إلى الشاطئ لأسباب أمنية، ويمكن رؤيتها بوضوح من قرى في منطقة جبل الكرمل وحتى من الشاطئ.

الغاز المصري

بدأت إسرائيل تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر بداية عام 2020 في إطار صفقة عدت أهم صفقة وقعتها إسرائيل مع جيرانها منذ إقرار السلام عام 1979، وبموجب “الاتفاق التاريخي” تشتري شركة خاصة في مصر وهي “دولفينوس القابضة” 85 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 19.5 مليار دولار من حقلي “ليفياثان” و”تمار” الإسرائيليين على مدى 15 عاماً.

ويجري توريد الغاز من طريق خط أنابيب تحت المياه يربط إسرائيل وشبه جزيرة سيناء في مصر، وذكر مصدران نفطيان من مصر أن “مصر بدأت بتلقي 200 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً على أن تزيد الكمية تدريجياً”، بحسب ما نقلت الوكالة الفرنسية للأنباء حينها.

وكانت إسرائيل تستورد الغاز من العريش وانقلبت العملية، إذ بدأت تصدر الغاز إلى مصر بغرض تسييله من العريش ومن ثم تتم عملية تصديره، وسبق لمصر وضمن “خط الغاز العربي” أن صدرت الغاز إلى لبنان بين عامي 2009 و2011.

وبحسب الاتفاق الجديد فمن المفترض أن توفر مصر للبنان نحو 60 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً عبر شركة “إيجاس” المصرية للغازات الطبيعية، وذلك عبر عملية مبادلة(SWAP)  من حقول الغاز في حمص، حيث تقع نهاية نقطة الخط العابر من مصر إلى الأردن وسوريا.

الغاز الأردني

في سبتمبر (أيلول) 2016 أعلنت الشركة الأميركية “نوبل إنرجي” (المشغلة لحقل ليفياثان للغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل) ومقرها هيوستون، توقيع اتفاق مع شركة الكهرباء الوطنية الأردنية لبيع الغاز إلى الأردن، يشمل توريد 300 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز على مدى فترة 15 عاماً، مع خيار شراء 50 مليون قدم مكعبة إضافية يومياً.

وذكر الاتفاق حينها أن التنفيذ يبدأ اعتباراً من يناير 2020، ويقوم الترتيب على مبدأ “التسلّم أو الدفع”، ويعني ذلك أنه سيتم دفع ثمن الصفقة إلى شركة “نوبل” وشركائها الإسرائيليين، سواء قام الأردن باستخدام ذلك الغاز أم لا.

ويرتبط السعر بنفط “برنت” الخام المتداول على نطاق واسع، كما أن الإيرادات الإجمالية من العقد يجب أن تصل إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار، ويمر الخط عبر أنابيب الغاز من خلال معبر الشيخ حسين الواقع بين الأردن وفلسطين، ويبعد 90 كيلومتراً شمال عمّان.

ليس من الضروري أن يكون الغاز المصدر إلى لبنان مصرياً خالصاً، فالأمور لا زالت غير واضحة بحسب مطلعين، لأن صفقات الأردن ومصر مع إسرائيل يتشابك فيها خط الغاز العربي في العريش في مصر، وفي منطقة المفرق في الخناصري في الأردن، وبناء على ذلك يصبح الغاز الموجود في خط الغاز العربي مختلطاً بين هذه الصفقات جميعها والغاز المصدر من مصر.

وفي تصريح لوزير البترول المصري السابق أسامة كمال، قال إن “الغاز الطبيعي المرتقب توريده إلى لبنان ليس بالضرورة أن يكون من حصة مصر في الغاز الطبيعي المنتج من أراضيها”. وتابع كمال أن “الغاز المصدر إلى لبنان قد يكون من حصة مصر أو من حصة الشركاء الأجانب العاملين في مصر أو من الغاز القبرصي أو الإسرائيلي الذي يتم توريده لمصر لتسييله وإعادة تصديره، وبالتالي ليس من الضروري أن يكون الغاز المصدر إلى لبنان مصرياً خالصاً، بل قد يكون من منتج من داخل مصر أو خارجها”.

Back to top button