ابو صالح يروي: سلامة يرتدي قبعة الأخفى، وعون تستنجد بالمنجمين!!!
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
الثائر –
روى لنا أبو صالح فقال: كان في قريتنا رجل يُدعى “أبو رياض” ، ورث قطعة أرض عن أجداده، فيها نبع ماء وبعض الأشجار المثمرة والكثير من الآثار القديمة. فهنا تجد باباً حجرياً ضخماً يشبه أبواب القصور، وهناك صخرة عليها صورة رجل قوي البنية مفتول العضلات، يجر خلفه بسلسة حديدية ضخمة، عربة جلست عليها إمرأة تشبه ملوك الفراعنة، وفي مكان آخر يوجد ناووس عليه عدة رسومات ؛ وعاء ماء، وأفعى، وهرّة صغيرة، وإشارات عديدة غير مفهومة، بقيت طلاسم حتى يومنا هذا.
غرس أبو رياض أرضه ببعض الأشجار المثمرة، ولكنه غالباً ما ذهب إلى هناك ووجد أنه سُرق القسم الأكبر من ثمارها، ولا يبقى له سوى القليل. وسأل ناطور القرية مِراراً وتكراراً عن الأمر، لكن الأخير أكّد له أنه لم يرَ أحداً يدخل أرضه، ولا آثار لسارق، ولا حتى لثعالب برية في الكرم.
سرت في القرية أخبار كثيرة حول حقل أبي رياض، فأحدهم قال: أنه رأى فتاة جميلة تجول بين الأشجار، حاملةً بيدها إجاصة وإبريق ماء، وعندما رأته نظرت إليه وابتسمت ودخلت من الباب الحجري، فتبعها ليعرف من هي لكنها اختفت، وبحث عنها ولم يجد لها أثراً.
وروى أحد الرعاة أنه بينما كان مارّاً بجانب الحقل، سمع قهقهة ورجالاً يتحدثون بصوت عالٍ وكأنهم يُقيمون وليمة، خلف الناووس الحجري، وعندما دنا من المكان اختفى الصوت، ولم يجد أحداً.
أما سلمى فتروي حكاية أُخرى، وتقول أنها رأت هناك أشخاصاً يقيمون حفل زفاف، ودعوها لمشاركتهم، فرقصت معهم وغنت وكانوا يُنشدون ” بالشنابر بالعنابر بالمسوك الفايحة …. بنت شحبر ل بن دحبر زوجناها مبارحة” وعندما جلست معهم إلى مائدة الطعام، وأمسكت ملعقة لتغرف من صحنها، سمّت بالرحمن!! فاختفى كل شيء، ووجدت نفسها تمسك عوداً وتغرف من كومة تراب أمامها.
تيقّن أبو رياض أن أرضه مسكونة من ملوك الجن، وهو لطالما سمع من أجداده عن وجود كنز مرصود في أرضه، فراح يُنقّب في كل زاوية، وحفر تحت كل صخرة، لدرجة أنه اقتلع الأشجار، وخرّب الآثار، لكنه لم يجد شيئاً.
فأخبره أحد المنجمين أن الكنز مرصود، ولا بد من طريقة لفك الرصد حتى يخرج الكنز، وهذه الطريقة مذكورة فقط في كتاب “شمس المعارف”.
في اليوم التالي شد أبو رياض الرحال إلى الشام، لعلّه يجد مبتغاه، فقضى هناك ثلاثة أيام، بحثاً عن كتابه المقصود لفك الكنز المرصود، وبعد طول عناء نجح بالحصول على نسخة من شيخ عرّاف، كان يقيم في بيت قديم في منطقة “باب شرقي” في دمشق، ودفع له ثمنه مبلغاً باهضاً .
ما إن وصل أبو رياض إلى منزله، حتى بدأ يتصفح الكتاب بشغف كبير، يحدوه الأمل بقرب الفرج، والحصول على المال الوفير .
في اليوم التالي نهض باكراً ودخل إلى غرفة ليجلس وحيداً، بعيداً عن أفراد عائلته، وفتح الكتاب وراح يقرأ عن تحضير الجن، وبدأ بتطبيق ما يقرأه بكل دقة، فجمع كل الأدوات اللازمة بقربه ؛ طاس الماء، المحبرة، أوراق بيضاء، قلم، بعض الرماد، خصلة شعر من فتاة، …
قرأ وكتب لساعات، ثم فكّر أنه يجب أن يحتاط للأمر ، ولو بسلاح بسيط، فذهب مسرعاً وأحضر فأساً صغيراً وضعه بقربه، وكان الجو عاصفاً والسماء تلبدت بالغيوم وتُنذر بهطول المطر.
تابع ابو رياض تحضير الجن، وراح يقرأ بصوت عالٍ : يا ملك الجن الأحمر! ، يا ملك الجن الأصفر! يا ملك الجن الأخضر! يا سبعة ملوك الجن! … انتبه !إحذر ! ستنقلب الأرض! سيُظهر الجن…
وفجأة سمع صوتاً صمّ أذنيه، وصُعق من شدة الخوف، فتناول الفأس وصرخ بأعلى صوته…
سمعت زوجته وأولاده والجيران صراخه، فأسرعوا واقتحموا الغرفة عليه، ليجدوه جاحظ العينين، فاتحاً فاهه، والفأس مرفوعة بيديه… حاولوا التكلّم معه وسؤاله عما جرى، فبقي على حاله صامتاً لا يتحرك، عندها تقدمت زوجته وصفعته على وجهه ليعود إلى رشده، فاستيقظ من حالة الهلع التي أصابته، وسأل: هل سمعتم الصوت ؟؟؟ فسألته زوجته أي صوت يقصد؟؟؟، فقال: صوت الجن الذي انشقت به الأرض.
فقالت له زوجته: لقد جننت!!! إنه صوت لوّح سقط عن سطح المنزل بسبب شدة الرياح، ولا يوجد أي انشقاق في الأرض.
ضحك الأولاد والجيران من قصة أبي رياض، وتناقلوا الخبر لمدة طويلة، وبات بعدها الرجل منبوذاً، فالكل ينظر إليه كرجل مسه الجن، ويقفلون الأبواب إذا رأوه قادماً نحوهم، فعاش في عزلة حتى مماته.
استمتعنا برواية أبي صالح عن ابن قريته وتحضير الجن، وسألناه لماذا رواها لنا في هذا الوقت بالذات، فقال: إن ما حصل في قريتنا يشبه ما يحصل اليوم في لبنان، فهناك حارس الكنز في البنك المركزي، معروف بالأسم والصورة، والكل في البلد يراه ويسمعه ويتحدث معه، ويشاركونه الطعام والمناسبات، حتى أنه يُظهر في مقابلات مباشرة على شاشة التلفاز.
يصدر التعاميم، يقتطع من أموال المودعين حصة له قدر ما يشاء، وكيفما شاء، يرفع رواتب من يشاء من الموظفين، ويمنح القضاة عطاياه، وليتها تجيبنا القاضية عون كيف تقاضت راتبها لهذا الشهر!!! وهل قبلت بمكرمة سلامة؟؟؟ أم إنها تعففت، ورفضت خرقه هذا للقانون؟؟؟
وهل ستدّعي عليه وعلى القضاة، المستفيدين من هدره للمال العام، دون سند قانوني وخلافاً للأصول؟؟ وهذا طبعاً بمثابة اشتراك من القضاة مع حاكم المصرف المركزي ، في تجاوز القانون.
والمضحك المبكي أن قضاة لبنان، أصدروا بياناً استهجنوا فيه إثارة الموضوع في وسائل الإعلام!!! ولم يستهجنوا مخالفتهم للأصول القانونية لزيادة الرواتب، ومعاملتهم كأنهم قطاع خارج الدولة، ولم يستهجنوا استنكافهم عن ملاحقة السرقات والهدر والفساد، وعدم محاسبة أي مسؤول متورط في هذه الجرائم!!!!.
سنوات من العبث بالقوانين، وآلاف السمسرات والرشاوى، وكمٌّ هائل من التبليغات، والملفات المرمية في الأدراج والجواري والخزائن لدى القضاة، الذين لم يتحركوا ولم يوقفوا أي سارق أو فاسد حتى اليوم.
وانفجار دمر مرفأ بيروت والمنازل المحيطة، وخلّف آلاف الضحايا، والتحقيق متوقف، والقضاء معطل. فعن أي عمل يقومون به تكلم السادة القضاة؟؟؟ وهم لا يحضرون إلى مكاتبهم، حتى في الظروف العادية، سوى يومين أو ثلاثة في الأسبوع!!!!!
الكل يرى حاكم المركزي، ووحدها القاضية غادة عون وفرقة النخبة من الحرس المرافق لها، لا يستطيعون رؤيته، أو سماع صوته أو الاهتداء إلى مكانه، فهم داهموا منزله ولم يجدوه، وداهموا مركز عمله فلم يعثروا عليه، رغم أنه كان موجوداً في مكتبه، يحرس الكنز، أو ما تبقّى منه !!!
ربما ارتدى سلامة قبعة الأخفى، فهو يظهر ويتنقل ويجول في الطرقات، ويذهب إلى عمله ويعود إلى بيته، والدولة اللبنانية لا تعلم عنه شيئاً، والقاضية عون بات عليها الاستنجاد بالجن والمنجّمين كي تقبض عليه، أو على الأقل أن تنجح ولو مرة واحدة برؤية وجهه كما لو كان جنياً.
ويتابع أبو صالح القول: لا تنفك عون تُطل علينا بمسلسل هوليودي، فيه الكثير من السفاف والسخف، والدعاية والإخراج السيء، ورغم كثرة اللصوص والفاسدين وسارقي المال العام في لبنان، فهي لا ترى سوى شخص واحد فقط. لكن لا بأس لقد باتت مشهورة جداً، وفاقت شهرتها شهرة ابي رياض، والمهم أن يكون المصير أفضل مما حدث في قريتنا، فلبنان بحاجة ماسة إلى الكنز، وفك سحر القصر المرصود.