رواتب ومساعدات تحتكرها المصارف اللبنانية.. بنك الاعتماد نموذجاً
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
فتحت قضية المودع عبدالله الساعي جدالاً واسعاً في البلد حول أحقية ما قام به من تهديد موظفي مصرف BBAC لاستعادة وديعته، وقد يصيب قانونيون بتصنيف فعل الساعي بالـ”الجرمي” لإقدامه على تهديد حياة أبرياء. لكن ما تقترفه المصارف بحق مودعيها يستنزف قواهم. فالمصارف وعلى مرآى من السلطة القضائية لم تترك “جيباً” إلا وتطاولت عليه، اختلست واحتجزت وفصّلت التعاميم والقوانين على قياسها، فتجيز لمودع ما تحجبه عن آخر وتبيح لنفسها كافة أشكال الانتهاكات لحقوق المودعين وكراماتهم.
وأعدت “المدن” عشرات التقارير التي تفضح ممارسات المصارف المجحفة بحق المودعين، غير أن تلك الممارسات وآلياتها و”زواريبها” لا تنتهي. وتبتكر المصارف يومياً الحيل وتطبق كافة التعاميم والقرارات باستنسابية مطلقة، ولا تتردد لحظة عن سلب جنى عمر المودعين وتعب الموظفين وادخاراتهم، وليست تجربة الاستاذة الجامعية د.خ. مع بنك الاعتماد اللبناني سوى عيّنة عن آلاف العملاء المُنتهكة حقوقهم من قبل المصارف اللبنانية.
التقنين بالليرة
فيما تفتح المصارف أبوابها لتجار العملة والصيارفة وغيرهم لشراء الدولارات وفق سعر منصة صيرفة، تحتجز أموال المودعين بالدولار وتقنّن سحوباتهم بالليرة اللبنانية بشكل استنسابي، فتختلف السقوف بين فئة وأخرى من المواطنين والموطّنين رواتبهم، وحتى بين عميل وآخر، فلا يمكن للأستاذة في الجامعة اللبنانية د.خ. استيعاب كيف يمكن للمصرف الحجر على وديعتها بالدولار ورفض تسليمها مدخولها الشهري بالليرة في الوقت عينه، وتسأل “كيف لي أن أؤمن معيشتي وأعيل عائلتي في ظل سيطرة المصرف على جنى عمري ومداخيلي الشهرية أيضاً؟”.
منذ أكثر من 20 عاماً ود.خ. تدّخر من مداخيلها في التعليم في بنك الاعتماد اللبناني الذي تعتبر نفسها زبونة قديمة لديه وتحظى باهتمام واحترام المصرف. ووقعت الأزمة في البلد عام 2019 وحجر المصرف كباقي المصارف على ودائع العملاء، ولم تعتبر د.خ. نفسها مستهدفة بمفردها بهذا التعسف من المصرف. فالإجراء يلحق بمئات الآلاف من العملاء، تتابع تعاميم مصرف لبنان وقراراته وإجراءات المصارف بمزيد من الاهتمام الذي لا يخلو من الأمل باستعادة أموالها وجنى عمرها يوماً ما. لكن أن يصل الأمر إلى راتبها ومدخولها الشهري فهذا ما لم تتقبله على الإطلاق.
“لا يمكنني سحب ما تم تحويله إلى حسابي المصرفي من الجامعة اللبنانية التي أدرّس فيها- تقول الأستاذة الجامعية- ويحدّد لي المصرف سقف السحب الشهري بالليرة اللبنانية بـ10 مليون ليرة ما يعني أنه لا يمكنني سحب كامل مدخولي المحوّل من الجامعة، لاسيما أن الحوالة المالية في الشهر الفائت تجاوزت الراتب الشهري، وضمت مساعدات اجتماعية وبدل مناقشات وتعاضد وغير ذلك. بالنتيجة رفض المصرف طلبي بسحب ما تم تحويله من الجامعة بذريعة انخفاض سقف السحوبات”. وتستغرب د.خ. “كيف للمصرف أن يعطي نفسه الحق بمنعي من التصرف بأموالي لتغطية علاج إبني وحاجات عائلتي؟” وتقول: “لم نطالب بتحرير الودائع بالدولار، إنما فقط السماح لنا بسحب مداخيلنا الشهرية بالليرة والمساعدات التي ناضلنا للحصول عليها”.
وعند مراجعة المصرف كان الجواب أنه لا يُمنع على اي عميل سحب مبالغ تفوق السقوف المحدّدة بالليرة، لكن مع فرض عمولة على المبالغ المسحوبة، وعليه يمكن للسيدة د.خ. سحب ما تريد مع الموافقة على اقتطاع عمولة من المبلغ المطلوب في حال كان يفوق السقف المحدد للسحب. وهذا يعني أن المصرف لا يحجب أموال العملاء عنهم فحسب، بل أيضاً يحاول تقاسمها معهم وبكل وقاحة.
استنسابية تطبيق 161
ولا تقتصر الضغوط التي تمارسها غالبية المصارف ومن بينها بنك الاعتماد اللبناني على العملاء بمنعهم من سحب كامل رواتبهم أو المساعدات التي يتلقونها، لاسيما منهم موظفي القطاع العام، بل تنسحب أيضاً على السحوبات النقدية بالدولار بموجب التعميم 161 الأخير.
فبنك الاعتماد اللبناني حدّد لغالبية عملائه سقف السحب بالدولار عند 200 دولار فقط، وهو ما اعترضت عليه د.خ. باعتبار هناك من يسحب مبالغ تفوق ذلك. كما أن هناك مصارف تتيح السحب بسقوف عالية. فكان الجواب من المصرف المذكور: “مهما كانت قيمة راتبك أكان 10 مليون أو 20 مليون ليرة فلن تنالي أكثر من 200 دولار فقط”، علماً أنه، وبحسب المعلومات، فإن المصرف نفسه فتح باب السحب بالدولار وفق التعميم 161 للعديد من عملائه بسقوف عالية حتى لأصحاب الرواتب المحدودة، خصوصاً الضباط وأصحاب الرتب العسكرية. ففتح لهم باب الإيداع باللبناني مقابل شراء الدولار وفق سعر صرف منصة صيرفة، على غرار باقي المصارف، ورغم ذلك تمسّك بمسألة السقوف المتدنية لشريحة واسعة من العملاء. بمعنى آخر يتم التعامل باستنسابية مطلقة مع العملاء المصرفيين من قبل العديد من المصارف ومنها بنك الاعتماد اللبناني.