مشروع الموازنة اللبنانية: مجزرة بحق الودائع المصرفية و”الفريش” دولار

النشرة الدولية –

المدن –  عزة الحاج حسن –

فصل جديد من سرقة الودائع المصرفية تخطّه موازنة العام 2022. تمرّر المنظومة السياسية والنقدية، المتضامنة والمتواطئة، عدداً من البنود المخالفة في مشروع موازنة 2022 والتي تستهدف فيها ما جناه اللبنانيون قبل الأزمة المالية الواقعة عام 2019 وخلالها، فتنسف التاريخ الوهمي الفاصل بين الودائع القديمة والجديدة والمتمثل بثورة 17 تشرين، وتستحدث تاريخاً وهمياً آخر تختزل فيه سنتين من الأزمة. فتأخذ من موعد إقرار موازنة 2022 تاريخاً مفصلياً للتمييز بين الودائع السابقة للموازنة واللاحقة لها، وتضع القيود وترسم حدود حركة الأموال وعملتها.

هي متاهات وترهات مالية بلا شك. لكن فيما لو تم إقرار موازنة 2022 بشكلها الحالي سنكون أمام موازنة غير دستورية، يُعاب على مجلس النواب إقرارها، كما يُعاب على النواب عدم الطعن بها أمام المجلس الدستوري، لاسيما النواب الذين وقفوا في وجه مشروع قانون الكابيتال كونترول “المسخ”.

في موازنة 2022 أفخاخ للحسابات الدولارية “الفريش” كما اعتاد تسميتها مصرف لبنان، لاسيما تلك المودعة بين 17 تشرين الأول من العام 2019 حتى تاريخ نشر قانون موازنة 2022 المرتقب، وأخرى للتحويلات المالية الواردة من الخارج والمحولة من الداخل بالدولار، كل تلك الأموال تقع في ظل موازنة 2022 في خانة “المنهوبة”، إلى حين الطعن إما بالموازنة، وإما ببعض بنودها لاسيما المادة رقم 132.

مجزرة الودائع بالدولار

تنص المادة 132 من الموازنة، وهي موضوع فصل النهب الجديد، على الآتي “تُلزم المصارف بتسديد الودائع الجديدة بالعملة الأجنبية التي يتم إيداعها نقداً لديها أو من تحويلات مصرفية خارجية اعتباراً من تاريخ نشر قانون الموازنة بالطريقة عينها التي أودعت لديها، بناء على طلب صاحب العلاقة”. وتحدد دقائق تطبيق هذه المادة بقرار من حاكم مصرف لبنان.

تتضمن المادة 132 العديد من الثغرات منها التمييز بين الأموال المودعة لدى المصارف نقداً والتحويلات الخارجية اعتباراً من نشر قانون الموازنة وتلك المحولة سابقاً، ما يعني أن الودائع والتحويلات التي جرت وستجري قبل إقرار القانون المذكور لن يتم سدادها بالعملة الأجنبية، وربما سيتم تحويلها إلى الليرة.

ثغرة أخرى في المادة نفسها تكمن في تحديد آلية تسديد الودائع الجديدة أو التحويلات “بالطريقة عينها التي أودعت بها”. ما يعني أن التحويلات الواردة من الخارج لن يكون متاحاً أمام أصحابها سحبها نقداً بالعملة الأجنبية والتصرف بها داخل لبنان. بل يمكن سحبها بالعملة اللبنانية أو التصرف بها للتحويلات إلى الخارج فقط. في المقابل الأموال المودعة نقداً لن يعود بالإمكان تحويلها إلى الخارج، وسيكون متاحاً فقط التصرف بها محلياً. بمعنى آخر، التحويلات بالدولار تصرف كتحويلات، والودائع النقدية تُصرف نقداً بالدولار. ومن دون ذلك، سيتم بالعملة المحلية.

ولتجنب سحب المؤسسات أموالها المحولة بالدولار نقداً وسداد رواتب موظفيها، فرضت موازنة 2022 التوطين الإلزامي للرواتب. وتنص المادة 115 على الآتي “يُعتمد التوطين لدى المصارف بصورة إلزامية من أجل دفع رواتب المستخدمين وسائر التعويضات والبدلات مهما كانت تسميتها في المؤسسات والشركات كافة”. هذا الأمر من شأنه أن يمنع الموظفين في لبنان من الاستفادة من الدولار الوارد من الخارج عبر مؤسساتهم.

موازنة بنكّهة الـ”كابيتال كونترول”

هذه القيود المُدرجة تحت خانة المادة 132 من موازنة 2022 تصفها الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale، سابين الكيك، بعملية النهب والسرقة. أما الموازنة برمتها فترى أنها منكّهة بالـ”كابيتال كونترول”.

وتؤكد الكيك في حديث إلى “المدن” أن المادة 132 من الموازنة تجيز تعديل مفهوم الودائع. بمعنى أنها لا تمنع من أن تصبح الودائع الجديدة في موازنة العام 2023 هي الأموال التي أودعت بعد العام 2023. علماً أن مصرف لبنان في تعميمه يقول أن الودائع والحسابات الفريش في العام 2020 تُدفع من دون قيد أو شرط. بمعنى ان موازنة 2022 جاءت لتضيف على الأزمة هاتين السنتين. أي أنهم أضافوا على تاريخ الأزمة السنتين 2020 و2021 وتسأل الكيك: ما المانع من إضافة العام 2022 لاحقاً إلى سنوات الأزمة؟

وإذ تحذر الكيك من مضمون المادة 132 لجهة جعل الحوالات الواردة من الخارج غير قابلة للسحب النقدي، وعدم اعتبارها دولارات فريش، واحتمال عدم سدادها لاحقاً بالعملة الأجنبية، تلفت إلى مخاطر المادة المذكورة لجهة احتمال فرض قيود على الدولار الكاش بين أيدي المواطنين، ومنع التحويلات إلى الخارج حتى بموجب قانون الدولار الطلابي. وتذكر الكيك بان مشروع الكابيتال كونترول الذي تم إسقاطه كان يشمل المضمون نفسه والقيود عينها.

وإذ تلفت الكيك إلى أنه -وحسب موازنة 2022- يتم فرض ضرائب بالعملة الأجنبية، تسأل: هل صندوق النقد يمكن أن يرضى بكابيتال كونترول بالموازنة؟ الجواب لا، فصندوق النقد يصر على أن يكون كل إصلاح مطلوب مدرجاً بقانون واضح مشرع بكل مفاعيله القانونية والدستورية والتشريعية، ولا يمرّر خلسة في الموازنات. لأن الموازنات العامة بكل دول العالم مدتها سنة واحدة، وليس من صلاحيتها التشريع.

تليير الودائع

وفي قراءة أولية لموازنة العام 2022 تعلّق الخبيرة الاقتصادية، علياء المبيّض، على المادة 132 بالقول أن “الموازنة تقونن عملية تليير الودائع بشكل غير مباشر، وخلافاً لأحكام القانون، عبر خلق نوعين من الودائع، من خلال إلزام المصارف بتسديد الودائع الجديدة بالعملة الأجنبية التي يتم إيداعها نقداً، أو من خلال تحويلات مصرفية خارجية بالطريقة عينها التي أودعت لديها من تاريخ نشر هذا القانون. وتعطي لحاكم مصرف لبنان سلطة تحديد التفاصيل”. وحسب المبيض، فإن هذه الصيغة تسمح الموازنة بقوننة تحميل الخسائر لأصحاب الودائع ما قبل هذا التاريخ، ضاربة عرض الحائط مبدأ المساواة أمام القانون. وتقول: لا شك أن تليير جزء من الودائع سيكون جزءاً من الحل في المستقبل، فلا مهرب من ذلك، نظراً للكمّ الهائل من الخسائر المتراكمة داخل النظام المصرفي والنقدي. ولكن لا يجوز اتخاذ هكذا قرار خارج إطار متكامل ومتعدد الأبعاد لتأمين توزيع عادل للخسائر يقبل به اللبنانيون واللبنانيات، ويؤسس لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، واستعادة الثقة فيه مستقبلاً. كما ويؤسس لنموذج اقتصادي مستدام وسليم.

طعن بالموازنة؟

قيود موازنة 2022 لا تقتصر فقط على التحويلات، وتنسف قانون الدولار الطلابي وسواه من التعاميم والقوانين، إنما تنسحب أيضاً على حسابات وتعاملات الصناعيين والتجار والمستوردين وغيرهم، على ما تقول الكيكز وتشدد على أن لا صلاحية لقانون الموازنة على علاقة المودعين بالمصارف ولا علاقة لها بنظام الموظفين. كما لا يمكنها تعديل قوانين موجودة أصلاً. وترى أنه في حال إقرار الموازنة، يجب الطعن بها أمام المجلس الدستوري ومن المعيب أن يصوت النواب عليها، وألا يطعن بها 10 نواب.

 

وحسب الكيك، فإن مخالفات قانونية كثيرة تشوب موازنة 2022، وللموازنة شروط، فلا يمكنها تشريع الضرائب، إنما التشريعات الضريبية تعد صلاحية موصوفة لمجلس النواب. أضف إلى انها لا تراعي مبدأ الشمولية وتضم بنوداً باطلة قانوناً. وتذكر الكيك بأن موازنة 2022 تميز بين الودائع القديمة قبل إقرار الموازنة، فتُخضعها للضرائب، وهي الودائع المنهوبة أصلاً، في حين تعفي الودائع الجديدة من الضرائب، “مسألة الإعفاءات خطرة فكما يجب أن يكون هناك شمولية بالضرائب يجب أن يكون هناك شمولية بالإعفاءات”.

زر الذهاب إلى الأعلى