الأمراء الثلاثة
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

لا أعرف الكثير عن الشعر ولا من الشعر، ولا أحفظ إلا أبياتًا قليلة منه، وبنظري المتواضع، هناك أمراء ثلاثة للشعر في العربية، أولهم وأقدمهم امرؤ القيس، وثانيهم المتنبي وثالثهم شوقي.

***

كاد امرؤ القيس، أول وآخر من حفظت شيئا من شعره، أن يتوج أميرا لقومه وأميرا للشعر، لو بقي مع والده «الملك»، ولكنه فضل اللهو والمجون على حياة الرخاء والحضن الحنون!

ولد «حندج» وهذا اسمه الحقيقي، عام 500 م تقريبا، أي قبل الإسلام بمئة عام، أو نحو ذلك. وهو صاحب إحدى «معلقات الكعبة» السبع.

نشأ نشأة مترفة في نجد، وتعلم الشعر من خاله المهلهل التغلبي، ولكنه ترك إباحيته، بعد أن ثار بنو أسد على والده وقتلوه، وقال قولته الشهيرة، بينما كان جالساً يحتسي الشراب: «رحم الله أبي، ضيعني صغيراً، وحملني دمه كبيراً… لا صحو اليوم ولا سُكْرَ غداً، اليوم خمر وغداً أمر!».

كان يعدّ من عشّاق العرب، ونتوقف عند قصيدته الجميلة «خليلي مرا بي على أم جندب» التي ارتجلها مبارزًا علقمة الفحل التميمي على من هو أكثر شاعرية واحتكم إلى زوجته، الوحيدة التي كانت حاضرة معهما:

«خَليلَيَّ مُرّا بي عَلى أُمِّ جُندَبِ

نُقَضِّ لُباناتِ الفُؤادِ المُعَذَّبِ

فَإِنَّكُما إِن تُنظِرانِيَ ساعَةً مِنَ

الدَهرِ تَنفَعني لَدى أُمِّ جُندَبِ

أَلَم تَرَياني كُلَّما جِئتُ طارِق

وَجَدتُ بِها طيباً وَإِن لَم تُطَيَّبِ

عَقيلَةُ أَترابٍ لَها لا ذَميمَةٌ

وَلا ذاتُ خَلقٍ إِن تَأَمَّلتَ جَأنَبِ

أَلا لَيتَ شِعري كَيفَ حادِثُ وَصلِه

وَكَيفَ تُراعي وَصلَةَ المُتَغَيِّبِ

قامَت عَلى ما بَينَنا مِن مَوَدَّةٍ

أُمَيمَةُ أَم صارَت لِقَولِ المُخَبِّبِ

***

أما شاعرنا الثاني فهو أبو الطيّب المُتنبّي، أحمد بن الحسين الكندي، الذي ولد بعد شاعرنا الأول بخمسمئة تقريبا (915 م) وقتل وعمره خمسون عاما، وهو أكثر شعراء العرب تمكنا.

كان المتنبي صاحب أنفة ونفس طموحة للمجد والمال، معتزا بنفسه، في حياته وشعره، الذي غلب عليه مدح الملوك والأمراء، لكنه امتلأ بالحكمة والفلسفة، وضمن كل ذلك في أكثر من 300 قصيدة حية تمثل عنوانًا لسيرة حياته.

شهدت الفترة التي نشأ فيها أبو الطيب تفكك الدولة العباسية وتناثر الدويلات الإسلامية التي قامت على أنقاضها، وكانت فترة نضج حضاري وتصدع سياسي وتوتر وصراع عاشه العرب والمسلمون.

عاش المتنبي أفضل أيامه وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب.

ومن أجمل قصائده:

«عَـلـى قَــدْرِ أهْــلِ الـعَـزْم تـأتـي الـعَزائِمُ

وَتــأتـي عــلَـى قَـــدْرِ الــكِـرامِ الـمَـكـارمُ

وَتَـعْـظُـمُ فـــي عَــيـنِ الـصّـغـيرِ صـغـارُها

وَتَـصْـغُـرُ فـــي عَــيـن الـعَـظيمِ الـعَـظائِمُ

يُـكَـلّـفُ ســيـفُ الـدّوْلَـةِ الـجـيشَ هَـمّـهُ وَقــد

عَـجِـزَتْ عـنـهُ الـجـيوشُ الـخـضارمُ

وَيَـطـلُبُ عـنـدَ الـنّـاسِ مــا عـنـدَ نـفسِه وَذلــــــكَ

مــــــا لا تَــدّعــيــهِ الــضّــرَاغِــمُ

يُــفَــدّي أتَــــمُّ الــطّـيـرِ عُــمْـراً سِــلاحَـهُ

نُـــسُــورُ الــفَــلا أحــداثُـهـا وَالـقَـشـاعِـمُ»

***

وأخيرا، أحمد شوقي، الذي جاء بعد الثاني بألف عام تقريبا (1868 – 1932) وهو أعظم شعراء العربية في العصر الحديث، ولقبه المصريون «أمير الشعراء»!

ولد شوقي في القاهرة لأب شركسي، أو كردي، وأم يونانية تركية. وكانت جدته لأمه يونانية تعمل وصيفة في قصر الخديوي «الملك» إسماعيل، فتكفلت بتربيته في القصر، فهوى الشعر والأدب، وجاءت غالبية بدايات شعره مدحاً في الخديوي. ولكن حظه انقلب ونفي للأندلس، فأتاحت له أجواؤها وثقافتها والخلوة إلى النفس والتأمل الشيء الكثير الذي أثر على شعره تاليا، وعاد لمصر وهو أقرب لروح شعبها، وكانت مرحلة صنع فيها مجده الشعري، وتوجته أميراً.

من أشعاره الجميلة، التي غنتها أم كلثوم:

«سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها

واستخبروا الراح هل مسّت ثناياها

باتت على الروض تسقيني بصافية

لا للسُّلاف ولا للورد رياها».

زر الذهاب إلى الأعلى