نعم… في وطني يبدو أننا “لن ننجو” !!
بقلم: ايناس كريمة

النشرة الدولية –

لبنان 24 –

يواجه لبنان منذ سنوات طويلة أزمة اقتصادية خانقة أثرت بشكل مباشر على حياة الناس من مختلف الجوانب. ومن بين الآثار السلبية المتزايدة التي يواجهها المجتمع اللبناني، تصاعد نسب الاغتصاب والعنف. وتعتبر هذه الظاهرة مؤشرًا مقلقًا على تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

ولعلّ الاعتداء الجنسي والعنف الجسدي هو من أكثر الجرائم الاجتماعية التي تواجه المجتمعات في كل أنحاء العالم، وهذه السلوكيات الوحشية يمكن أن تؤدي إلى آثار نفسية وجسدية جسيمة وطويلة الأمد على الاشخاص الذين تعرّضوا لها لأنها تشكّل خطرًا حقيقيًا على صحتهم الجسدية والنفسية. ويعدّ الأطفال من الفئات الاجتماعية المستضعفة والاكثر عرضةً للتجاوزات والاستغلال، لأنه غالباً ما يكتم هؤلاء جريمة التحرّش بهم او اغتصابهم وذلك بدافع الخوف من التعرّض للانتقام إذا ما أرادوا الكشف عن الجريمة والذي يهدّد به المغتصب عند ارتكابه جريمته النكراء.

في أقلّ من شهر واحد، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الاعلام عدد من حوادث الاعتداء الجنسي والعنف الجسدي التي تعرض لها اطفال صغار دون سن العاشرة، بدءاً من جريمة اغتصاب الطفلة لين طالب، ابنة الستّ سنوات، مروراً بقضية المُشرفة على حضانة للأطفال وصولاً الى آخر ضحية يوم أمس، حيث استفاق لبنان على خبر كارثي تمثّل بالعثور على طفلة حديثة الولادة داخل كيس للقمامة. كل هذه الحوادث جسّدت نوعاً من أنواع الجرائم الخطيرة والانتهاكات الصارخة لحقوق الطفل وكرامته.

تشير بعض التقارير والدراسات إلى أن الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان قد أدّت إلى زيادة انتشار بعض السلوكيات الشاذة بين الأفراد، ما عزّز دوافع ارتكاب الجرائم وتفاقم الوضع عمومًا. ومع ذلك، يرى بعض الاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين أنه لا يمكن الجزم بوجود علاقة مباشرة بين الأزمة الاقتصادية والمالية والسلوكيات الشاذة من دون إجراء دراسات محددة وتحليلات علمية، إذ إن أغلب هذه السلوكيات، وفقاً للاختصاصيين، مرتبطة بأمراض نفسية أو اجتماعية وهي قد تحدث في أي زمان ومكان بغض النظر عن الوضع الاقتصادي في البلد، لكنّ الأزمات الاقتصادية والتحديات الاجتماعية وتأثيراتها على الصحة النفسية للأفراد قد تؤدي في بعض الحالات إلى زيادة انتشار هذه السلوكيات الشاذة.

لا يزال المجتمع اللبناني خصوصاً والعربي عموماً تحت الصدمة من هول ما حصل، حيث كان لهذه الجرائم وقع كبير وصل صداه الى البلدان العربية نظراً لسرعة انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي وتحوّلها الى قضايا رأي عام بعد الحملات التي أطلقها رواد الفضاء الالكتروني مطالبين بإنزال أشدّ العقوبات بحقّ المرتكبين. ولعلّ اكبر الهواجس التي غلّفت هذه الحملات تجسّدت في انعدام الثقة بين الشعب والقضاء اللبناني في ظلّ غياب الجدية في المساءلة، إذ خشي البعض من سيناريو “اللفلفة” الذي تكرّر مراراً في لبنان، وعبّر البعض الاخر صراحة عن خوفه من “وضع الملفّ في الجارور” وما تمثّله هذه العبارة من تهرّب من المسؤوليات من قِبل السلطات المعنية، حيث أنّ جريمة مرفأ بيروت وصور الضحايا لا تزال عالقة في الأذهان، اضافة الى جرائم عديدة من تعنيف واغتصاب وقتل مرّت دون عقاب، وليست آخرها جريمة قتل العارضة اللبنانية زينة كنجو خنقاً بعد رفض السلطات السويدية تسليم زوجها السابق المتهم بارتكاب الجريمة للبنان.

وطالب مطلقو هذه الحملات بالتضامن مع المجتمع اللبناني والعربي بعدم تقديم أعذار مخففة في جرائم القتل والعنف والاعتداء الجنسي والى فرض قوانين صارمة وحازمة للحدّ من انتشارها، وذهب البعض الى المطالبة بـ “تعليق المشانق” أي تطبيق الاعدام كعقوبة رادعة، لكنّ ثمة آراء اخرى تحدّثت حول مدى فعالية هذه العقوبة التي ألغتها بعض الدول بشكل كامل أو جزئي على اعتبارها انتهاكًا اخر لحقوق الإنسان، سيما وأن العديد من الدراسات العلمية والقانونية تشير إلى أن تطبيق عقوبة الإعدام قد لا يؤدي بالضرورة إلى تقليل حدوث جرائم الاغتصاب والعنف وغيرها، وأنه من الممكن الحصول على نتائج أفضل من خلال تعزيز العدالة وإعداد برامج تأهيلية لمعالجة المشكلات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها المجرمون، وبالتالي فإن الأمر يتطلب تركيزًا أكبر على التثقيف والتوعية وتوفير الدعم النفسي للضحايا وتقديم العدالة السريعة لهم.

“لن ننجو”، هاشتاغ أطلقه الباحث القانوني وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي صادق علوية مع تفاقم الازمة الاقتصادية في لبنان، هذا الهاشتاغ مستمرّ حتى اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يضيء علوية من خلاله على العديد من الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية معتبراً أننا لن ننجو من هذه المحنة الا عبر تطبيق آلية منظمة لمكافحة الفساد بشتى أشكاله وفرض الاصلاحات الجدية.

وفي هذه القضايا المُفجعة، “انت الصادق”، فنحن أيضاً لن ننجو الا في ظلّ  قوانين صارمة وفعالة تحمي المجتمع بأكمله وتعزز العدالة فيه وتضمن استقراره، لذلك لا بدّ من توظيف كافة الجهود لتوفير بيئة آمنة للأطفال وحمايتهم من العنف والأذى وضمان حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية والحياة الكريمة، وهذا الامر يتطلّب تعاوناً شاملاً من جميع أفراد المجتمع، بدءًا من الحكومة والمؤسسات القانونية وصولاً إلى المجتمع المدني لمواجهة هذه الجرائم الشنيعة من خلال تعزيز التشريعات وتشديد العقوبات على مرتكبيها!

Back to top button