أليكس صعب… رجل “حزب الله” في ثلاث قارات
تورط مع نظام مادورو في تجويع السكان لاستغلالهم وتعتبره السلطات الأميركية أحد رموز حكومة الرئيس الفنزويلي
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – سوسن مهنا –
بدأ رجل الأعمال الفنزويلي أليكس صعب، أو علي حسن صعب، أو “رشيد”، مشواره مع “حزب الله” منذ عام 1996، وفي 13 مايو (أيار) الحالي أعلن المدعي العام الأميركي بالمنطقة الجنوبية بنيويورك، داميان ويليامز، إدانته بعد محاكمة استمرت لمدة أسبوعين. ووجدت هيئة محلفين أنه تلقى تدريباً عسكرياً من قبل “حزب الله”، حيث مسح بعض المواقع الأكثر شهرة في نيويورك وهددها بشكل كبير، بينها مقر الأمم المتحدة، وتمثال الحرية، ومركز روكفلر، ومبنى “إمباير ستايت” والمطارات المحلية، والأنفاق، والجسور، من أجل توفير معلومات استخباراتية حاسمة حول كيفية مهاجمتها. أيضاً، دِينَ بتهم الاحتيال في الزواج والإدلاء ببيانات كاذبة.
وكان أليكس كان قد تلقى تدريباً على أيدي عناصر العمليات الإرهابية الخارجية في “حزب الله” على استخدام الأسلحة النارية وصنع القنابل وجمع معلومات استخباراتية بمدينة نيويورك وأماكن أخرى لدعم جهود التخطيط للهجمات، بحسب وثائق المحكمة.
من هو أليكس صعب؟
وُلد رجل الأعمال أليكس نعيم صعب في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1971، بمدينة بارانكيلا الكولومبية، وهو متورط بحسب ما رشح عن تسريبات أوراق بنما، وورود اسمه في التحقيقات الصحافية لقيامه بأعمال بقيمة 135 مليون دولار أميركي مع الحكومة الفنزويلية.
بدأ أليكس، أو “رشيد”، كما يحلو للبعض مُناداته، مشواره مع “حزب الله” منذ عام 1996، حين نفذ أول عملية مراقبة داخل لبنان لصالح “الحزب” في منطقة “يارون” الجنوبية، ودخل عام 1999 مرحلة التدريب على أنواع متعددة من الأسلحة النارية، وفق ما أوردت وزارة العدل الأميركية. بعدها انتقل في عام 2000، وكان حينها في الـ42 من عمره، إلى عضوية وحدة “الحزب” المسؤولة عن العمليات الخارجية، ثم تلقى تدريباً مكثفاً في مجال الأسلحة والتكتيكات العسكرية، بما في ذلك كيفية صنع القنابل وغيرها من الأجهزة المتفجرة. وفي العام ذاته دخل إلى الولايات المتحدة بصورة قانونية مستخدماً جواز سفر لبنانياً، قبل أن يتقدم عام 2005، بطلب للحصول على الجنسية الأميركية، حيث حصل عليها عام 2008. بين عامي 2004 و2005، حضر أليكس تدريباً على المتفجرات في لبنان تلقى خلاله تعليماً مفصلاً في مجالات منها آليات التفجير والمواد المتفجرة.
وعلى الرغم من انتقال أليكس للعيش في أميركا، فإنه ظل عضواً بمنظمة الأمن الخارجي “910” التابعة لـ”حزب الله”، وعمل على مراقبة عشرات المواقع بمدينة نيويورك، بما في ذلك مقر الأمم المتحدة، وتمثال الحرية، ومركز روكفلر، وتايمز سكوير، والمطارات المحلية، والأنفاق، والجسور. وقدم تفاصيل معلومات عن هذه المواقع، بما في ذلك صور فوتوغرافية إلى “الحزب” المصنف أميركياً على لائحة الإرهاب منذ عام 1997. وكانت الحكومة الكولومبية قد أصدرت مذكرة توقيف بحقه عام 2018. كما حققت دول عدة معه بتهم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها. وتعتبره السلطات الأميركية أحد رموز حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وكان اسمه ظهر على “قائمة كلينتون” متهماً بغسل الأموال. وارتبط اسمه ونظام مادورو، بالنشاط التجاري والاختلاس والاحتيال مع ما يسمى “كلاب” Clap، أي (لجنة الإمداد والإنتاج المحلية)، وهي صناديق طعام يقدمها النظام إلى المواطنين الفنزويليين.
في 17 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، نشرت صحيفة “إيل تييمبو” الكولومبية، تحقيقاً بعنوان “الولايات المتحدة وإسرائيل، تكتشفان الروابط القائمة بين رجل مادورو الأول و(حزب الله)”، وأن هذا “الرجل الأول” هو أليكس صعب. وكشف التحقيق حينها عن علاقة الأخير بالأول. وكانت تحقيقات مكتب المدعي العام التي امتدت لسنتين، و”الديجين” (قسم التحقيقات الجرمية في الشرطة الوطنية الكولومبية)، كشفت عن شركة “شاتكس” للنسيج، التي نفذت عمليات تصدير مزيفة بين عامي 2011 و2014، مع بدء أليكس تفعيل أعماله مع النظام الفنزويلي، إضافة إلى بناء المنازل.
وبحسب التحقيقات، كانت التجارة وهمية، إذ قام بعمليات نقل كبيرة لأموال بين عامي 2011 و2014 بين كندا وبريطانيا والولايات المتحدة وفنزويلا. ومع أن تجارته في بوغوتا العاصمة الكولومبية كانت مزدهرة فإنه أقفلها نهائياً عام 2016. ويخلص التقرير إلى دعم أليكس المحتمل لـ”حزب الله”، الأمر الذي يعتبر تهديداً كبيراً لواشنطن.
علاقة أليكس بفساد النظام الفنزويلي
وكانت فنزويلا قد وصفت اعتقال “الوكيل الحكومي” لديها أليكس صعب يونيو (حزيران) 2020 المتهم بأنه واجهة للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو “بالتعسفي”، وذلك بعد اعتقاله في الرأس الأخضر بأفريقيا، عندما كان يقوم برحلة خاصة. وأصدر وزير خارجيتها خورخي أريازا بياناً سلط الضوء على مكانة رجل الأعمال “الفنزويلي” و”حصانته الدبلوماسية”. وقال إن الإنتربول احتجزه في “الرأس الأخضر” من دون وجود نشرة حمراء.
ونقلت صحيفة “سيمانا” الكولومبية عن بيان وزير الخارجية أنه بالنسبة إلى حكومة مادورو، فإن “اعتقال رجل الأعمال أليكس نعيم صعب، من مدينة “بارانكيلا” (إحدى أهم المدن الكولومبية)، تقع ضمن اعتداءات الولايات المتحدة التي تعطل بطريقة مفاجئة المساعي الحثيثة للحكومة البوليفارية، التي تهدف إلى تأمين حقوق أساسية للشعب الفنزويلي في الغذاء والصحة وغيرهما”. كما أكد البيان أن صعب “فنزويلي”، وكان يتنقل بصفته وكيلاً حكومياً.
في 21 أكتوبر 2018 ظهر خبر في عدد من وسائل الإعلام اللاتينية مفاده “أن مكتب المدعي العام المكسيكي صادر شحنة ضخمة من البقالة بقيمة 61 مليون دولار، موزعة في 1300 حاوية بحرية. وفي المجمل كان هناك مليون و800 ألف صندوق تحت اسم (كلاب Clap)، أي لجنة الإمداد التابعة لفنزويلا، يحتوي كل منها على الحليب والسكر والمعكرونة والدقيق والفاصوليا والزيت والتونة المعلبة. وتمت العملية حينها بفضل تعاون وكالات استخباراتية عدة كانت تعمل منذ أشهر لكشف قضية غامضة مرتبطة بشبكة دولية تتدفق من خلالها مئات ملايين الدولارات.
وظهر على الأثر اسمان بارزان، أحدهما شهير والأخير غير معروف، وهما مادورو وشريكه الكولومبي أليكس نعيم صعب. كما تحدثت الصحف الكولومبية عن افتتاح شركة كانت تعمل كـ”خيط مشترك” لجميع أعمال صعب في هونغ كونغ، وكانت مرتبطة بأقرب المقربين منه، الذين يوافقون على تحويل الأموال إلى بنما، بالتالي التهرب ضريبياً من خلال شركات أخرى يبدو أنها “شركات شبح”. وفي هذا الصدد، سعت المدعية العامة الكولومبية إلى تحديد مصدر الأموال وما إذا كانت مرت عبر النظام المالي للولايات المتحدة، لكن محامي أليكس أصر على أنها أموال قانونية، وهي نتاج عمل تجاري مع الحكومة الفنزويلية، إلا أن المدعية اعتبرت أنها “جزء من ثروة مادورو السرية”. وكانت وزارة الخزانة الأميركية وجهت اتهامات له وشريكه التجاري ألفارو بوليدو بغسل أموال ونقل 350 مليون دولار إلى حسابات خارجية، وتقديم رشى لمسؤولين في فنزويلا، بحسب وكالة “بلومبيرغ”، حينها. وقالت واشنطن إنه عوضاً عن توزيع المواد الغذائية على الفقراء في فنزويلا، فإن مادورو يوزيع هذه المواد على الموالين له. وذكر وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين، أن صعب متورط مع نظام مادورو في استغلال الطعام من أجل استغلال السكان الجائعين وتوزيع المكافأة على المؤيدين ومعاقبة المعارضين، وقد حصلوا على مئات الملايين من الدولارات بسبب هذا الأمر. واشتبه في أنه لعب دوراً في إجراء تبادلات تجارية مع إيران، كجزء من خطة أكبر تضمنت تقديم طهران النفط والعمال وإمدادات أخرى مقابل حصولها على 9 أطنان من الذهب الفنزويلي تساوي 500 مليون دولار، لكن محامية رجل الأعمال الفنزويلي اللبناني ماري دومينغيز، نفت تورطه في الأمر، الذي يعتبر نوعاً من التحايل على العقوبات الأميركية. وقالت إن موكلها “مجرد رائد أعمال في مجال الغذاء”.
وكان الرجل قد صرح عام 2017 بأنه “كتاب مفتوح، وحساباتي واضحة وضميري مرتاح”، وذلك رداً على اتهامات تلاحقه بالتورط في عقود فاسدة مع حكومة فنزويلا. وذكرت “بلومبيرغ” أنه أسهم في إبرام صفقة بين إيران وفنزويلا، كما عمل على تعزيز علاقه هذا البلد مع تركيا. ويعتقد أنه مشارك في توريد ذهب بقيمة 900 مليون دولار إلى تركيا، وعندها خشي مسؤولون أميركيون أن تكون هذه الكميات قد شقت طريقها إلى إيران في خرق للعقوبات. وحتى أكتوبر 2018 كان أليكس يخضع للتحقيق من قبل السلطات الكولومبية بتهمة غسل الأموال، بسبب علاقته مع الحكومة الفنزويلية بين عامي 2004 و2011، وخلال هذه التحقيقات تم القبض على عدد من مساعديه، ونفى التهم الموجهة إليه. وتقول وزارة الخزانة الأميركية إن أليكس يحاول منذ 2016 جني أرباح من استيراد مواد غذائية إلى فنزويلا التي تعاني شحاً في المواد الأساسية، في مخطط يشمل أيضاً أبناء زوجة الرئيس نيكولاس مادورو و13 شركة في بلدان مختلفة.
وقال مسؤول أميركي كبير، في حديث صحافي، مشترطاً عدم كشف هويته، إنه “في مواجهة نقص العملات الأجنبية أوائل عام 2018، منح مادورو أليكس احتكاراً لبيع الذهب المستخرج بشكل غير شرعي من مناطق في جنوب فنزويلا”. ووفقاً للصحافة الإيطالية، فإن “أليكس وزوجته الإيطالية كاميلا فابري يخضعان للتحقيق في إيطاليا أيضاً بتهمة غسل أموال”.
مهمة إنسانية في إيران
وكانت زوجة صعب عارضة الأزياء الإيطالية السابقة، هي Camila Fabbri احتجت على احتجاز “جمهورية الرأس الأخضر” لزوجها طوال 491 يوماً، وانتهت بتسليمه إلى الولايات المتحدة، بموجب مذكرة قدمها القضاء الأميركي للإنتربول، فاعتقله حين كان يغادر عاصمة الدولة الأرخبيلية في 12 يونيو (حزيران) 2020 إلى إيران. وتلت أمام الصحافة ما قالت إنه بياناً منه قال فيه، “إنه لن يتعاون مع السلطات الأميركية، بل سيواجه محاكمته بكرامة لأني لست ملزماً بالتعاون، ولم أرتكب أي جريمة، وأعلن أني بكامل قواي العقلية، ولن أقدم على الانتحار، في حال قاموا باغتيالي من أجل أن يقولوا لاحقاً إنني انتحرت”. وكشفت فابري، في مقابلة إعلامية، تفاصيل اختطاف زوجها في جزر الرأس الأخضر، وتسليمه إلى الولايات المتحدة. وقالت إن أليكس “كان يحمل حقيبة دبلوماسية”، مشيرة إلى أن “شرطة الرأس الأخضر سرقتها، وكشف المستندات الموجودة فيها”. وأضافت أن “المستندات كانت مرسلة من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى المرشد الأعلى للثورة في إيران (علي خامنئي)، من أجل طلب الدعم لمواجهة كورونا”، مؤكدة أنه “عندما تم اختطافه في 12 يونيو 2020، كان متوجهاً إلى إيران من أجل إنجاز مهمة إنسانية”. وأضافت أنه “بعد أشهر من سرقة الحقيبة، نشرت حكومة الرأس الأخضر هذه المستندات عبر المنصات والمواقع الإلكترونية”، مشددة على أنه “خلال عام ونصف العام من اعتقاله، أنتهكت جميع الحقوق الأساسية لأليكس. وفي الأسبوع الأخير، قبل نقله إلى الولايات المتحدة، منعوا إدخال الطعام له”. ولفتت في مقابلتها إلى أنه “تم التسريع في تسليم أليكس إلى الولايات المتحدة الأميركية، بينما قضية محاكمته في الرأس الأخضر لم تكن كل فصولها قد انتهت”. وتابعت أن التواصل مع زوجها في الرأس الأخضر كان “صعباً للغاية، وكنا نتمكن من التواصل معه عبر الرسائل فقط”.