الليلة عيد.. علي الواحة سعيد
بقلم: محاسن السنوسي

النشرة الدولية –

الدستور المصرية –

الأعياد من الشعائر الدينية في الإسلام الحنيف وسائر الأديان، كما أنها مرتبطة بتاريخ وثقافة الشعوب، توحد أفراد الأسرة الواحدة وأبناء الدين والشعب الواحد، بما يعود علينا من بهجة وفرحة بيوم العيد.

وحين تهل علينا الأعياد تأخذنا الذكريات والحنين لأيام الطفولة ..وذكرياتي هنا “نوستلجا” وألم الشوق والحنين إلي الماضي وأيام طفولتي المرتبطة  بـ”جدتي” والعيد كيف كان معها، وماتبقي من خيال الطفولة وقصص وحكايات.

كانت “ميما” كما نناديها – تستعد مبكرا للعيد، تأخذ حذرها لعل الشهر الكريم غير مكتمل، وفي مساء ليلة التاسع والعشرين من رمضان ننتظر بشغف إعلان المؤذن مع صلاة العشاء برؤية الهلال أو تعذر الرؤيا، وتصعد معي جدتي أعلي الدرج وفي غرفة مطلة علي جامع “الزاوية” نستمع إلي تواشيح وابتهالات الشيخ “مؤمن” والمصليين احتفالا برؤية الهلال.

في “الواحة” لم نعرف إعلان مفتي الجمهورية المذاع عبر شاشة التلفاز برؤية هلال شوال إلا مع دخول الكهرباء منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أو بالأحري اعتادت الواحة علي صوت الشيخ جليا من أعلي مإذنة مسجد الزاوية أو الباويطي أو القصر.

في الواحة استعداد خاص بالعيد جزء عاصرته وعشته مع الجد والجدة، وجزء كانت ترويه “ميما”.

في يوم وقفة العيد، كان لجدتي طقوس خاصة بها، تبدأ بإعداد الخبز الذي تصنعه بنفسها، وأنا أساعدها فيما تقوم به، وقبل أن تجهز الدقيق والماء و”الماجور” أو وعاء العجين تتوضأ لصلاة العشاء، وتصلي ركعتين شكر لله قبل أن تستهل عجين خبزها حتي تحل البركة، وأتناء قيامها بالعجين تتمتم بأدعية شكر لله والدعاء لأبنائها بالصلاح ولايفوتها أن تدعو لجيرانها وأهلها جمعاء، وتستمر في اعداد العجين لوقت ليس بالقصير، واذا بها فجأة ترفع العجين لأعلي في حركة دائرية ينتج عنها فقاعة كبيرة أشبه بالبلونه وتقوم بالطرق عليها بيدها لتحدث دويا وفي هذه اللحظة تنطق بالشهادة، وتكرر هذه العملية أكثر من مرة، سألتها عن سبب ماقامت به؟ أخبرتني حتي يعلم الجيران أن بيت فلان يعلن عن أن صباح الغد لدينا خبزا طازجا، هكذا كانت البيوت تتبادل الخبز بينهم.

كانت ترسلني جدتي بعدد من الأرغفة الطازجة أقوم بتوزيعها علي الجيران، وكنت أجلس إلي جوارها وهي تقوم بوضع خبزها في الفرن، وما انتهت من أخر رغيف أحضرت “الماجور” الذي أعدت به عجينها وقطعته ووضعته تحت الشمس حتي تكتمل عملية التخمر، قامت “ميما” بفرك ما تبقي علي حواف “الماجور” من عجين وأضافت له الدقيق والزبد وقليل من الحليب وأعدت لنا “المنين” أو مايعرف بكعك العيد ثم رشته بالسكر المطحون مسبقا بواسطة الراحايه.

ومن مروياتها عن العيد في القرن الماضي أيام طفولتها أخبرتني أنها كانت تجتمع مع بنات “الوادي الشرقي” لحياكة ملابسهن، فالجغرافيا هنا بصمتها فلم يعرف سكان الواحة اسماء شوارع أو أحياء، العنوان تحدده تضاريس ومعالم المكان من تلال وهضاب أو صخور أو عيون المياه الطبيعية، كما أن معرفتهم بالاتجاهات تحددها البوصلة الفطرية لكل فرد يعيش هنا مع الطبيعة .

تستطرد قائلة: “قبل العيد بأيام نشتري الأقمشة وكنت أفضل الألوان الزاهية، ونقوم بحياكة ملابسنا بأيدينا بعد أن تضع الخالة “عويشة” بصمتها وقص الثوب لنا، وان كان التصميم واحد مع اختلاف الألوان .

‏ومن بين طقوس أعياد الواحة تحرص “ميما” علي تجهيز الترمس والنقل والحلوي، ولـ”النقل” حكاية، نقوم باعداده من نوي المشمش بعد تكسيره واستخراب اللب الداخلي ونقعه في الماء عدة أيام مع اضافة قليل من الملح، ثم يجفف ونضعه في الفرن حتي يصبح لونه ذهبيا وحلو المذاق.

كما كانت امهاتنا تقوم بتخضيب أيدينا بالحناء، فهكذا كانت تفعل بنات الواحة، لم نعرف النوم ليلة العيد، هكذا أخبرتني “ميما” ومع صلاة الفجر ترتدي الفتيات والأطفال ثيابهن الجديدة ذات الألوان الزاهية ووضع العطور ثم تحمل كل فتاة طبق مصنوع من سعف النخيل وتضع به “المنين” وحلوي الطوفي الشهيرة والنقل والترمس وتذهبن لصلاة العيد.

ما إن تنتهي الصلاة يقفن في صف واحد أمام المسجد في استقبال المصلين وتعرض كل فتاة ما تحمله من طبق ويبادر المصلين بمصافحة الأطفال والفتيات وتناول الحلوي والمنين ومنحهن العيدية، ثم تستكمل الفتيات زيارة بيوت الواحة وهن يحملن علي رؤسهن طبق نقل العيد، وقد يحصلن علي عيدية مالية من فئة العشرين فضة، أو تمنحهن النساء البيض المسلوق.

أثناء مرورهن علي أي جماعة تستوقفن الفيتات لإلقاء السلام وتحية العيد.

لكن هناك جانب آخر قد يطرأ على فرحة العيد في الواحة، بأحزان إحدى العائلات التي فقدت أحد أفرادها، حيث تجتمع أسرة المتوفي في بيته بعد زيارة المقابر إحياءا للذكرى الأولي لرحيلة عقب صلاة العيد، ويبدو أن هذه العادة من موروثات القدماء المصريين ولاسيما أن الأسر التي حكمت مصر من الأسرة الثالثة والعشرين حتي السادسة والعشرين كانت تحكم مصر كان مقرها من الواحات البحرية، هكذا يكون احترام ذكري المتوفي وفقا للمعتقد.

كانت النساء لايخرجن قديما لصلاة العيد في المساجد ولايتجولن في النهار، ومع غروب الشمس تستعد النساء لزيارة الأهل، أما المتزوجة حديثا فلا يحق لها الخروج من بيتها أو زيارة أهلها إلا اذا مر عليها حول كامل في بيت زوجها، ولذا تقضي الزوجة عيد الفطر وعيد الأضحي في بيت أسرتها الجديدة إلي أن يمر عليها عيد زواجها الأول دون أن تبرح دارها.

أتذكر أن “ميما” كانت ترسلني بـ”الموسم”  يوم وقفة العيد إلي بيت خالتي وإلي أمي، فمن عادات الواحة أن ترسل الأم لبناتها المتزوجات مهما كان عددهن  أو بلغ سنهن بـ”الموسم” المكون من دجاجة أو بطة أو رومي علي أن تكون جدتي هي من قامت بتربيتها في بيتها وتطلق عليها “طير بلدي”، أيضا تحتوي شنظة الموسم علي أرز وخبز طازج ورايب حامض، وخمسة جنيهات، لا أعرف سبب الخمسة جنيهات وان كانت مبلغ ضخم آن ذاك، وتنقطع هذه العادة بوفاة الأم.

في العيد تجتمع الأسرة علي ثلاث وجبات كاملة، فالفطور لا يختلف عن الغداء أو العشاء “فتة ولحمة وأرز وخضار”.. وكل عام وحضراتكم بخيرأعاده الله عليكم وعلينا وعلي مصر بالخير واليمن والبركات.

 

Back to top button