«زنديق» جعفر رجب
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
لم ألتق يوما بالكاتب والمغرد ورسام الكاريكاتير الكويتي المعروف جعفر رجب، وليس بيننا غير مكالمة او اثنتين، ورسالة قصيرة، لم تكن مستحبة، لكن ذلك لم يمنعني من كتابة هذا المقال بمناسبة صدور كتابه «زنديق بغداد… هذا ما رواه ابن الريوندي»، المكون من 500 صفحة تقريبا، والذي أنصح بقراءته.
يتعلق موضوع الكتاب، الذي يجمع بين السيرة والرواية بآراء وأفكار وكتب ابن الريوندي (827 – 911 م) أو أبو الحسن أحمد بن يحيى بن إسحاق، أحد أشهر ناقدي الفكر الديني، ومن مواليد قرية راوند، القريبة من اصفهان!
ترك ابن الريوندي وطنه واتجه لعاصمة الخلافة بغداد وكان من المعتزلة وأصبح أحد كبارها قبل أن ينقلب عليها، ووضع فيهم كتابه «فضيحة المعتزلة»، ثم تشيع لفترة، والتقى بعدها بمن غيّر مسار حياته بعد أن زرع الشك في قلبه، وليصبح من أكبر واشهر زنادقة عصره، وما تلاه من زمن، وتعرضت غالبية كتبه بعدها للتلف، المتعمد غالبا، أنقذ محبوه بعضها، وكان لأعدائه فضل حفظ غالبيتها، دون قصد منهم، عندما اضطروا، عند الرد عليه، لإيرادها كاملة تقريبا، ومن كل هؤلاء تمكن الكاتب/ المؤلف جعفر رجب من جمع مواد كتابه القيم.
***
من أشهر كتب الريوندي، الابتداء والإعادة، الأسماء، خلق القرآن، وكتاب الدامق الذي أثار غضب السلطات عليه، فهرب للأهواز، لاجئا وعاش وعمل عند يهودي، ومات تاليا عنده، وهو في منتصف الثمانين من عمره. ولم يتبق اليوم من كتبه غير: الابتداء والإعادة، والفرند!
***
كتاب «زنديق بغداد» لا يصلح لصاحب التفكير التقليدي، أو القارئ الممل، بل يحتاج لصبر، فقد حرص كاتبه على العناية بكل فقرة فيه، وبذل جهدا بينا في كتابته، ولا شك أن ذلك أخذ منه صبرا وجهدا كبيرين.
***
وهذه فقرات منتقاة بعشوائية من الكتاب:
ألم تمر عليك يوما فتاة نظرت اليك نظرة واحدة واختفت، ثم تعيش عمرا تبحث عنها متحسرا لفقدانها، ويظل طيفها عالقا في قلبك وتعيش حلم النظر الى عينيها مرة اخرى؟
ألم يمر عليك سوء أدب من شخص بلا سبب وتتمنى أن يعود الزمن حتى تأخذ بثأرك منه؟ ألم تتذكر لحظة حنان من أم، ضحكة من أب، لعبة وطرفة من ابن، وأحاديث أصدقاء، أو كلمة من عابر سبيل… هي لحظات تختصر حياتنا!!
وعند الرحيل لا نحمل من كتاب ذكرياتنا سوى آخر وجه نراه، وآخر يد نلمس!
***
ها هم الآن يتعاركون حول طول اللحية! ومثلهم تاجر الاحجار يريد بيعك حجرا للرزق، أو الحظ، بدلا من ان يستفيد منه ويترك ملاحقة المارة في السوق من اجل درهم او درهمين، ومع ذلك لا أحد يجرؤ على تكذيبه، بعد ان شاع وتواتر بين الناس أن هناك حجارة تجلب الرزق والحب وتطيل العمر، وتطرد الجان!
هذا الفعل تسمونه اجماعا، ومن يكابر ويسأل يردون عليه بسخرية: «هل اجماع الامة خطأ، وانت أيها المفلس الذي لا تجد قوت يومك على حق؟ وهل الامة كلها على ضلال وانت على صواب؟!».
صار الشيوع بين الناس دليلا على الصدق والحق، جعلوا اجماع الجهالة علما حتى ينشروا أكاذيبهم، ثم أليست هي ذات الامة التي كانت لآلاف السنين تعبد الاصنام بالإجماع، وتشرب الخمر بالإجماع، وتغزو بعضها بالإجماع، وتئد بالإجماع، ويتوارثون زوجات آبائهم كما المتاع بالإجماع؟ ما بالها كانت على باطل بالإجماع، واصبحت الآن على حق إن اجمعت؟
***
هذه النظرة للعدم، جعلتني أشعر بأن العدم المظلم أو اللاشيء مجرد اشياء غير منتظمة، ظلمة تحتوي على النور، حالة متفردة، كنا نعيشها قبل الوجود، أحببت ما قال، أظن لأن العدم الممكن أكثر جمالا من العدم المطلق الذي يخيفنا دائما. وأظنه هربا من سؤال طالما حير العقول، ماذا كان الكون قبل الخلق؟
***
دعك من هذا، ان عقيدة الانسان وايمانه ليستا فاكهة تشترى وتباع، خسارة أو ربحا، ان كنت مؤمنا، عقلا وقلبا، فلا يهمك ان كان هناك حشر ونشر وبعث وجنة ونار.. اما إذا كنت مؤمنا خوفا فهذا لا يستحق الثناء ولا البحث ولا الجدال، فما يخاف الا ذوو العقول الضعيفة التي ترهبها الأوهام، وترعبها قصص السمار، من كان مؤمنا موقنا فلا يفكر كبقال!