عزوف الحريري يربك الساحة السياسية في لبنان
بقلم: ايناس كريمة
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
فتح الرئيس سعد الحريري باباً على مرحلة سياسية جديدة في الساحة اللبنانية من خلال إعلان عزوفه عن خوض الانتخابات النيابية المقبلة وتعليق نشاطه السياسي داعياً تيار “المستقبل” الى عدم تقديم أي ترشيحات التزاماً بقراره الكبير .
خطوة الحريري التي وُصفت بالمحزنة ستحمل حتماً تداعيات كبرى على المشهد السياسي المحلّي لا سيّما على مستوى التوازنات الطائفية في لبنان، غير أنها لن تكون محصورة بالواقع السني وحسب بل تنسحب ارتداداتها على أصل الاستحقاق النيابي والواقع السياسي لخصوم الحريري من جهة، حزب الله تحديدا، وحلفائه السابقين والحاليين من جهة اخرى.
ولعلّ اعتكاف الرئيس سعد الحريري عن المشاركة في انتخابات 2022 يعني أن جزءاً كبيراً من الطائفة السنية لن يشارك في هذا الاستحقاق، لكن خطورة الامر تكمن في حال لحق بالحريري عدد من الشخصيات السنية وغير السنيّة الذين قد يعلنون عزوفهم أيضاً عن خوض الاستحقاق النيابي، وهذا ما سيؤدي الى جعل الانتخابات في مهبّ الريح وسيصبح الحديث عن إمكانية إرجائها أو تطييرها أمراً واقعاً.
وعلى صعيد القوى السياسية فإن “حزب الله” سيتأثر سياسياً من قرار الحريري، ورغم أنّ هذه الخطوة ستؤدي الى تقدم قوى الثامن من آذار نيابياً ليصبح الحفاظ على الاكثرية أمراً مُتاحاً، غير أن الحزب في المقابل سيكون محرجاً سياسياً لأنه لا يريد الظهور بصورة المتفرّد بالساحة اللبنانية خصوصاً في ظل غياب القوة السنية الوازنة التي لطالما تجنّب مواجهتها لأسباب كثيرة ومعروفة.
أما بالنسبة لـ “القوات اللبنانية” التي كانت تطمح للعب دور أساسي في المجتمع السني انتخابياً، وعلى الرغم من أن غياب الحريري يمثل لها فرصة ذهبية لتحقيق أهدافها، الا ان الطريق أمامها تبدو بعد اعتكاف “الزعيم السني” مليئة بالألغام، خصوصاً وأنها على الأرجح قد ضمنت خسارتها الجدية في العديد من الدوائر من بينها عكار وبعلبك – الهرمل وزحلة، حيث كانت “معراب” تعوّل على التحالف مع “المستقبل” في تلك الدوائر من أجل تأمين حواصل انتخابية وضمان فوز مرشّحيها، الامر الذي لم يعد ممكناً أبداً في ظل انسحاب “المستقبل” نهائياً من المشهد.
كذلك الأمر بالنسبة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والذي كان يعتمد على التحالف مع “المستقبل” في اكثر من دائرة، بالإضافة الى ذلك فقد بات لدى جنبلاط هواجس من أن يصبح مكشوفاً أكثر في إقليم الخروب ليس على المستوى الانتخابي وحسب بل على المستوى الأمني أيضاً، ناهيك عن مشكلة التفاوض مع “القوات اللبنانية” التي سيخلّفها عزوف الحريري.
من جهة أخرى، فإنّ “التيار الوطني الحر” قد يبدو اليوم مرتاحاً تكتيكياً ويعوّل الى حدّ بعيد على باقي القيادات السنية لتغطية الفراغ الذي سيخلقه غياب الحريري، لكنه، كما “حزب الله”، يخشى ان يؤدي غياب لاعب معتدل الى ظهور التطرف وفقدان التوازن الداخلي وهو لذلك، بحسب مصادر مطّلعة، قد دعا مناصريه الى تجنب التصعيد بوجه “المستقبل”.
كل ذلك يعني أن الساحة اللبنانية دخلت في إرباك سياسي قد لا تخرج منه الا في حال الذهاب الى تسوية كاملة تُعيد التوازن للواقع السني لأن الخسائر ستكون ثقيلة على كل الأحزاب، فحتى “حزب الله” الرابح تكتيكياً يُعتبر خاسراً على المستوى الاستراتيجي من غياب الحريري، اما تحالف برّي – جنبلاط فقد خسر أيضاً ركناً أساسياً من أركانه، وعليه فإن المرحلة المقبلة ستشهد حسماً لمسألة حصول الانتخابات وبعد ذلك قد نكون أمام بدء المفاوضات حول التسوية الكبرى في لبنان.