من ساحة “رجل الاستقلال” إلى “النور”… ومن الثورة إلى الفراغ!
النشرة الدولية –
لبنان الكبير –
لم تتغيّر هوية ساحة عبد الحميد كرامي المعروفة اليوم بساحة “النور” على الرّغم من الحروب التي أنهكت هذه “المنصّة” الصامدة أمام مختلف التغيّرات التي طرأت على مدينة طرابلس منذ الاستقلال حتّى يومنا هذا.
إنّ “ساحة طرابلس” التي سمّيت بساحة عبد الحميد كرامي رجل الاستقلال وابن المدينة الذي كان زعيماً سياسياً ودينياً مميزاً، كانت ولا تزال منبراً لكلّ مضطهد أو مضطّر، مع اختلاف توجهاته، متطلباته ورغباته. ومن المؤكّد أنّ هذه الساحة التي تتمتّع بأهمّية وشهرة بارزة شمالاً نظراً الى كونها محطة رئيسة في طرابلس، قد شهدت على أهمّ الأحداث التاريخية الطارئة التي لم تنته ولم تتوقف حتّى يومنا هذا، بل هي تتبدّل ليتبدّل معها شكل الساحة وصورتها من وطنية إلى “دينية” أو توحيدية منذ العام 1984 بعد سيطرة “حركة التوحيد” على طرابلس مع استبدال تمثال الرئيس عبد الحميد كرامي الذي قدّم تضحيات وطنية في سبيل البلاد، بلفظ الجلالة وحتّى بعد التدخل السوري في لبنان لم تُستبدل كلمة “الله” نظراً الى ربطها بتصوّرات دينية تدفع معظم أبناء المدينة إلى عدم تغييرها مهما حدث، وهي قضية لا تزال تُطرح بتساؤلاتها المختلفة إلى يومنا هذا.
يُمكن القول إنّ هذه الساحة التي واكبت الكثير من الأحداث الوطنية المختلفة، وصدحت بشعارات مناصرة للقومية العربية والوحدة مع سوريا، كانت رفضت اعتقال الزعيم كرامي بصورة قاطعة بعد نضاله المستمرّ سعياً إلى تحقيق الاستقلال، كما رفضت الانصياع إلى القهر المتكرّر، فكانت متنفساً واضحاً لكلّ المعارضين في البلاد، كأهالي المعتقلين والمخفيين في سجون النظام السوري، أهالي السجناء ولجنة العفو العام، الفقراء والمحتاجين والمعترضين على أيّ قضية أو ملف كان آخرها رفض الزواج المدني والمثليين في المدينة.
وقد تكون ثورة 17 تشرين 2019، من أبرز المؤشرات التي تلفت إلى مكانة ساحة النور في قلوب الطرابلسيين، إذ أعادت الاعتصامات إحياء دورها من جديد، فقطعت فيها الطرقات وكانت مركزاً للثوار والمتخصّصين في علوم الاجتماع والاقتصاد الذين تحدّثوا بدورهم عن أبرز الأزمات المالية التي كانت سبقت حدوث الثورة فعلياً على أرض الواقع وأهمّها محاضرات اقتصادية عن “دولرة” الاقتصاد اللبناني.
وبعد مرور أكثر من عامين على اندلاعها، لم تنجح هذه “الانتفاضة” التي اشتعلت لتنطفئ سريعاً في الوصول إلى أهدافها، وهو ما عزته أوساط طرابلسية الى تخوّف السلطة من امتداد هذه الاعتصامات وتطوّرها خصوصاً بعد تدخل الطلاب فيها ما يُؤدّي إلى تعزيز قوتها، لاسيما وأنّ الشبان الطرابلسيين والطلاب “ليس لديهم ما يخسرونه” فعلياً، ما يزيد من حدّة هذه المطالب، لكنّ ساحة عبد الحميد كرامي لم تعد تُشبه نفسها بعد الثورة، بل أصبحت ساحة باهتة وفارغة من مضمونها و”ناسها” الحقيقيين، الا أنّها وعلى الرّغم من “البرودة” التي دخلت إليها واقتحمت أرجاءها، لا تزال ساحة مناسبة لكلّ ثائر ورافض لسياسة الدّولة التي كان يُمكن لها أن تُبرز تكريمها لهذه المساحة التاريخية، لارتباطها بصورة وثيقة بمراحل وطنية يصعب التنصل منها.