سطوة المال تقود المجتمعات للضياع
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
نحزن لوفاة قريب لا نكن له عواطق، نبارك لفائز لنيله جاهزة بلا قيمة، نهنيء شخص لا نُحبه، هي أفعال يقوم بها الإنسان بسبب تقلب النفسية الناتجة لسوء المزاج والغيرة والحسد والشعور بالذنب والإحباط والخوف والقلق، وقد تصل للإنهيار العصبي، وتنتشر هذه الأمور بين البشر بشكل متواتر وسريع، فينافق الموظف مُديره وقد يبكى لوفاة قريب لهذا المدير المكروه، والكارثة حينما تنتشر التهاني لفائز بجائزة تبلغ قيمتها الأكاديمية والفكرية والمالية “صفر”، والأضافة الجديدة في عالم السخرية والضياع أن نضحك على نكته سمجه لوزير جاهل أو نائب وصل لمنصبه بمساعدة صديق، فيما البعض يردد إذا لم تُعجبك النكتة فاضحك على قائلها، والذي يظن أنه تحول إلى نجم كوميدي ينافس المبدع عادل إمام.
وقد يحصل مواطن طبيعي على شهادة دكتوراة حقيقية احتاجت منه للجهد والسهر والمال، وبعد كل هذا لا ينال من التهنئة ما يناله شخص ذو منصب، حصل على شهادة فخرية من مجموعة أصدقاء وفي تخصص لا صلة له بشؤون الحياة، فهنا يكون النفاق هو الأصل، والمصالح هي الهدف، فنحول جاهل بمنصب كبير إلى عضو في مجموعة تبحث في الخيال لإثبات أن الجاهل مبدع في علم لا يعرفه أحد، وقد يفتخر البعض بأن وزيراً استقبله باسماً أو قال بحقه كلمة جميلة فيما الفعل الحقيقي لصاحب المنصب لا يتناسب مع قوله، فهو يبحث عن أقاربه وأبناء أصدقائه ليضعهم في الأماكن الهامة، ويتناسى من أشاد به بين الناس، لنجد أن باب الرزق أصبح يُدار بطريقة العصابة ولا يُفتح إلا لعضو فيها.
وتتزايد معاناة المسحوقين من الشعب حين يُكثر هؤلاء الأغنياء الأغبياء من المواعظ المتغطرسة، والتي يصدعون بها رؤوس الفقراء والمحتاجين، ويزيدون ألم الفقر على المسحوقين حين يروجون لأنفسهم من خلال حديثهم البالي على أنهم مناضلون حقيقيون، وأن على الجميع الإقتداء بهم، ويستمتع المُترفون بسرد قصصهم بطريقة إستعراضية لنفوذ المال أمام مجموعة من البائسين، وبالذات إذا كانوا يعملون في شركات هؤلاء الأغنياء الذين يتعاملون معهم بشعار إصمت فأنا أدفع لك، وعليك أن تضحك على طرائفي وتحزن لحزني وتفرح لفرحي، وإلا فإنك تكون موظف ناكر للجميل.
إن من يقرر سبر الحياة وطرق تعاملها بالإعتماد على المال، هم عصابة من الإنتهازيين يتصدرون المشهد في الحياة والموت حيث سيتم بناء أضرحة لجثثهم العفنة، ويرافق هؤلاء سيدات بمنظر أنيق يدعين المعرفة وصلن بسرعة لقمة الهرم بسرقتهن حقوق من يعرفن لكنهن على ثقافتهن صامدات، ولا يخلوا الأمر من بعض إعلاميين جهلاء يُجيدون فنون التملق، لنجدهم في جميع أفراح وأتراح أصحاب القرار والمال لاعقين جميع أنواع المقبلات، ويتمركز في قمة هذه الطبقات العفنة المحسنون، الذين يروجون لإحسانهم أكثر من فعلهم، وتتصدر صورهم الصحف والمجلات ومواقع التواصل الإجتماعي وهم يمارسون أسوء أنواع القهر والظُلم بإظهار حاجة الآخرين وإعلان قهرهم.
فهل نحن في زمن المهرجين متعددي الوجوه الراقصين على الحبال ، والذين يقومون بحركات لا تفيد سوى إهدار وقت المشاهد وضخ المال في جيب المُهرج، لنجد أن عصابة المهرجين أكثر ثراءاً وقوةً وتحكماً في المجتمعات بفعل تعاضدهم، ويزداد تماسك أفراد العصابة حين يرفض الفقراء الاعتراف بسحر البرجوازية الغامض، ويتوقفون عن الضحك على النكات السمجة، وعن الغضب والحزن والنفاق لأجل أصحاب المال الذي يعتبرون من الطبقة الحاكمة، وهؤلاء جميعاً وعلى مدار سنوات من العبث في المجتمع، لم يُنتجوا ثقافة خاصة تساهم في رقي طبقتهم، لنجد أنهم مجرد أرقام وكتل مالية تسير بلا هدف إنساني، لذا لا مكان لهم في كُتب التاريخ وكأنهم لم يرموا به.