عن “المقاومة والتحرير”… اخشى أني كنتُ مخطئة
بقلم: ايناس كريمة

النشرة الدولية –

لبنان 24 –

نعم إحتفلنا، إذ من حقّنا كلبنانيين أن نحتفل كل عام في الخامس والعشرين من شهر أيار حيث يحلّ “عيد المقاومة والتحرير” ليحيي فينا ذكرى مجدٍ لم تنطفىء شعلته ولحظة عزٍّ حين انتصر “لبنان” على الجيش الاسرائيلي بدحره عن معظم أراضيه.

لم أضع كلمة “لبنان” بين مزدوجين عبثاً، حيث أن هذه المناسبة هي عيدٌ وطني كرّس نجاة لبنان من أنياب الاحتلال، وتاريخ مشرّف لكل لبناني شريف لم تحمل “المقاومة” وسامه وحدها ولم تتفرّد به بل شاركته وأهدته لكل المقاومين، لكل اللبنانيين، وحتى لفلسطين! هذا العيد الذي كان ولا يزال فخرنا وعزّنا، هو أهم إنجاز عربي حصل، ومن يدّعي غير ذلك فهو يجافي الحقيقة!

من حقّنا أن نحتفل؛ بتطهير ارض الجنوب الأبيّ وأن نهلّل لـ”سيادة” لبنان ونرفض أن يشكّل هذا العيد نقطة خلاف بين شعب البلد الواحد الذي يُجمع على العداوة لاسرائيل، حتى أولئك الذين لا يظهرون العداء لها او ربما، بحسن نية، لا يعنيهم امرها فهُم لا يجرؤون على الاعتراف بذلك لأنهم يعلمون أن كل اللبنانيين،حسبما أذكر، قاوموا الاحتلال وقاتلوه إما بالسلاح وإما بالكلمة وأخشى أني كُنت مخطئة!

منذ سنوات ليست ببعيدة، وصيحات التخاذل والتخوين تتعالى في لبنان، ومحاولات تمييع “عيد المقاومة والتحرير” وتسخيفه باتت تثير الشكوك حول أحقيّة البعض بهذا الوطن. لستُ أعلم إن كان هؤلاء ينطلقون من فكرة جدّية بحسبونها منطقاً، أم “يصرخون” قياماً وقعوداً على مبدأ “نكاية بالطهارة” غير أن ما لا شكّ فيه أن “حزب الله” كان المساهم الأكبر بهذا الانتصار، أقلّه في السنوات العشرة الاخيرة، والمُستنكرون اليوم هم الذين دفعوا بالحزب، بغير قصد، نحو صدارة المشهد وقدّموا له خدمة كبيرة عبر  إظهاره صاحب مشروع يتخطّى التهريج الاعلامي والزواريب السياسية.

 

وفي الوقت الذي شنّ فيه البعض الحرب على “المقاومة” من بوابة “حزب الله” كانوا من حيث لا يدرون يمسّون بكرامة كل اللبنانيين من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب. ولعلّ من بين هؤلاء من يخاصم “الحزب” بل ويعاديه علناً سواء بسبب حروبه الاقليمية او بسبب تحميله الواقع الاقتصادي المهترىء  في لبنان، غير أنهم يتوقّفون امام هذا التاريخ احتراماً لدماء الشهداء ونضال الاسرى والمعتقلين الابرياء! فهل يُعقل أن نسير بالسردية الاسرائيلية ونهين كل تلك التضحيات كي نثبت خصومتنا للحزب؟

في اليومين الماضيين ظهرت أمامنا معادلة “اذا التحرير ما خلص لشو العيد؟ واذا عم نحتفل بالتحرير، لشو السلاح؟”! عبارة على غرابتها، بدت ملفتة للنظر ذلك ليس بسبب حجم عدم الادراك فيها وحسب وانما بسبب تكراراها من قِبل مجموعة من رواد مواقع التواصل وكأنّ هنالك من أراد تعميمها للتعمية على هزيمة الكيان الاسرائيلي! ولأنني لم أكن يوماً من مَن يخوّنون أبناء وطني ولأنني أترفّع عن كوني من اولئك الذين يطلقون التّهم جزافاً، أسأل الذين تحرّكوا طوعاً لنشر هذه المعادلة السطحية “بكبسة زر” ما هو الهدف من ورائها؟ فإن لم تكن “معروفاً” مقدّماً مجاناً لاسرائيل المهزومة فما هي إذاً؟

التحرير ليس أكذوبة مفبركة، فالواقع واضح وضوح الشمس أمام أعين من يريد أن يرى، اذ لا تزال ذكرى الانتصار عالقة في وجدان الشرفاء الذين رفعوا آنذاك رايات “المقاومة” في كل شبر من لبنان، فكيف لا نواجهكم بالوقائع المثبتة التي يعترف بها العالم بأسره وحتى “العدو” نفسه يستذكرها بانكسار، فخروج اسرائيل من الجنوب لم يكن انسحاباً وإنما هروباً ذليلاً بعد هزيمة كبرى على يد “المقاومة” التي قاتلت مدعومة برفض شعبي كامل للاحتلال! فعلامَ تستندون قبل أن تجرأوا على تقزيم هذا الانتصار؟

ولعلّ مشكلة شريحة واسعة من المجتمع اللبناني مع “حزب الله” تكمن في سلاحه غير الشرعي والذي، بحسب هؤلاء، يشكّل أصل المشكلات ونواة الأزمات التي تواجه اللبنانيين على مختلف المستويات، ويمدّه بفائض قوة يمكّنه في أي لحظة من تعطيل البلد وفرض شروطه على الطاولة السياسية الداخلية. “عظيم”! لتكن إذاً معركة رفض السلاح بعيدة عن الصراع اللبناني – الاسرائيلي والعناوين كثيرة والشعارات أكثر ولا مانع من تمسّككم بها إن كنتم ترون أن خلاص لبنان لا يمكن أن يتحقق الا بتحقيقها. وسواء رفعتم بوجه “الحزب” ملف تدخّله في الحرب السورية أو فرضية تصويب سلاحه الى الداخل او حتى رفض نظرية الرضوخ لفكرة كونه الجهة المتحكمة بقرار السلم والحرب، والتي جميعها بالنسبة لجزء كبير من اللبنانيين سبباً مباشراً في بؤسه وانهيار بلاده وضياعها، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن اسرائيل الكيان القائم على الاعتداء قهرته “المقاومة” بالتضامن مع اللبنانيين. فلا تخلطوا معركة “اسقاط السلاح” التي تخوضوها بشراسة بوجه “حزب الله” بيوم “مجيد”!

من جهة اخرى، ثمة سؤال منطقي يُطرح اليوم بجدية مطلقة؛ ما شأن “عيد المقاومة والتحرير” بانقطاع الكهرباء وارتفاع الدولار وتهالك الاقتصاد”؟ علماً انه لو اراد البعض تخيير غالبية اللبنانيين بين “التحرير” وتجاوز صعوبات المرحلة الحالية لاختاروا التحرير والحرية، عن أي طريق وعلى يد أيّ كان، فالمسألة هنا لم تكن دفاعاً عن “حزب الله”ولن تكون ،وانما عن قضية أؤمن بها مثل شريحة واسعة من اللبنانيين، والتشويه الحاصل اليوم لا يصيب “الحزب” في أي مكان ولا حتى يشظّيه، بل يصيب القضية في صدرها، اي جوهرها، وينال من انتصار مدوّي تُرفع له الرؤوس!

أخيرا، يوماً ما ستزول جميع الأحزاب وتختفي وتنتصر التجربة الديمقراطية في لبنان مهما طال الزمان، لكنّ التفريط بإنجاز وطني بحجم “التحرير” أمر غير مبرّر مهما كانت الغاية من ورائه، وبعيداً عن دور “حزب الله” اليوم في لبنان والمنطقة، فإن أحداً لا يستطيع أن ينكر عليه “المقاومة” انذاك، واذا كان استهداف “الحزب” في مناسبة عزيزة على لبنان “كالمقاومة والتحرير” يخدم مشروع “اسقاط السلاح” الا انه يساهم وتحديداً في هذه الذكرى بشدّ عصب قاعدته الجماهيرية ويثبت سردية “الحزب” بأن كل معارض لسلاحه هو “خادم” للاجندات الاميركية والغربية، وتشقّ صفوف اللبنانيين وتفرّق ما بين الطوائف على اختلافها والتي انضوت في مرحلة ما تحت راية “المقاومة” سبيلاً لسحق الاحتلال!

فإن كنتم تعلمون ما انتم فاعلون فتلك مصيبة، وإن كنتم لا تعلمون فالمصيبة اعظم!

زر الذهاب إلى الأعلى