الكاتبة نسرين عبد الله تقرأ في رواية (العطر.. قصة قاتل) للكاتب الألماني “باتريك زوسكند”

https://scontent.famm7-1.fna.fbcdn.net/v/t39.30808-6/331769488_1411571286045652_2826444666790118731_n.jpg?_nc_cat=109&ccb=1-7&_nc_sid=8bfeb9&_nc_eui2=AeGNEevVuahM7TqufP0dBu4SX_AEcivSbttf8ARyK9Ju2wvUU7EmhsE7JoLlXEYgm870nY02fWtW4tP3jyXGwpN0&_nc_ohc=2pZL40c0mvgAX_9LZ7i&_nc_ht=scontent.famm7-1.fna&oh=00_AfBpuLltBwD-KCjaTRV0Dt_jnh2JDbo9rYWghBLtyZRdMg&oe=640245FB

النشرة الدولية –

هل يمكن أن تشم عطرا إذا قرأت رواية؟ نعم في رواية العطر…

بكلمة هي رواية عطرية، وكأنها بخيال ثلاثي الأبعاد، تضعنا على محك النفسية البشرية.

كيف يمكن لكاتب أن يحصر كل هذا الكم من الروائح المقرفة والجميلة والبشرية والحيوانية، ثم يقبض عليها ويكتبها بكل هذه الدقة، إذ ليس بوسعهم الهروب من العبق لأنه شقيق الشهيق.

إنها رواية تخلط لك الفانتازيا بالنزعات الشريرة، لتمنحك رائحة أخرى.

May be an image of one or more people and text

تنطلق أحداث الرواية في سنة 1738، في القرن الثامن عشر حيث يولد بطل الرواية، جان باتيست غرونوي، في أحد أسواق السمك الباريسية من أم اعتادت التخلص من أبنائها برميهم وسط كومة نفايات، إلا أن أمرها سيفتضح عندما سينتبه المارة ورواد السوق لصرخات الطفل المتشبت بالحياة.. لناتبع بعدها سيرة حياة جان باتيست الشخصية الغرائبية المنبثقة من عوالم باريس السفلية والمتملكة لحاسة شم إعجازية.

تسرد الرواية تطور حياة العطار غرونوي وكيف غدا إنساناً مجردا من مفهومي الخير والشر، لا يحركه إلا شغف الوصول الى عطر يمكنه الاستحواذ على البشر عبر شحذ مواهبه في سبر أغوار العطور والروائح دون أن  يحده أي وازع أخلاقي، وهو في ذلك ينطلق من قناعته بان من يسيطر على الروائح يسيطر على قلوب الناس.

خلال رحلته يعي غرونوي حجم كراهيته لروائح البشر، فيعتكف في إحدى مغارات أحد جبال كانتال. ينعزل غرونوي لسبع سنوات، في مغارته صانعا عوالما تخييلية من الروائح. كان يقضي أيامه في الاستمتاع بتذكر الروائح التي عرفها طيلة حياته..

ابان عزلته في جوف الجبل، وعى غرونوي بحقيقة صادمة: عدم فرز جسده لروائح خاصة به وهو ما خلف رجة قوية في خاطره خصوصا وأنه لا يدرك العالم إلا عبر حاسة الشم، فكان إحساسا شبيها بعدم الوجود. وهو ما سيحفزه لمغادرة الكهف واستئناف رحلته…

مثابرة في التعلم إلى غاية تمكنه النهائي من تقنيات استخلاص روائح الكائنات الحية، وقد تطور في سعيه ليبدأ في تنفيذ جرائم قتل متتالية بغرض استخلاص العطور الطبيعية لأجساد 24 من أجمل فتيات المدينة، العذارى.

يتمكن غرونوي من تركيب أكثر العطور كمالا بتوليف العطر المستخلص من جسد لور بالعطور ال24 المستخلصة من أجساد باقي الضحايا. بعد افتضاح أمره يلقى عليه القبض ليحكم عليه بالإعدام، وعند اقتياده لساحة المدينة لتنفيذ الحكم، تحت أنظار الآلاف من سكان المدينة، يتعطر غرونوي بعطره السحري ليفقد آلاف الحاضرين صوابهم ويدخلو في مجون وعربدة جماعيين تحت الأنظار المتدبرة لغرونوي. بفضل عطره المعجزة يغدو غرونوي بريئا في أعين جلاديه ويكتسب قداسة لدى السكان…

نهاية صادقة تليق بمجرم وقصاص بما اقترفت يداه، عند عودته لباريس، يتجه لا شعوريا إلى مسقط رأسه، أنتن أمكنة العاصمة، سوق السمك. هناك، يفرغ قارورة عطره السحري فوق جسده، مما يحوله إلى ملاك في أعين العشرات من الأشخاص المتواجدين في عين المكان، والذين أغلبهم من العاهرات والسكارى والمتشردين. ينجذب إليه هؤلاء بعنف ووحشية لدرجة نهشهم لجسده وافتراسه بوحشية. نصف ساعة بعد ذلك، لم يبق لجان باتيست غرونوي وجود على وجه الأرض.

في سرد متصاعد وغزارة توصيفات ومصطلحات وشروحات وما تعكسه من عنى على مستوى المعارف المرتبطة بصناعة العطور، وفي رواية غريبة إستثنائية شيقة عبقرية أمسك الكاتب فيها بفكرة فريدة حيث جعل حاسة الشم محورا ترتكز عليه أحداث الرواية، ليعكس عبثية مجتمع القرن الثامن عشر الذي يعيش ارهاصات التفاعل بين التدين والتقدمية الفكرية، ودراماتيكية الوصول للقوة، جاء الزمان والمكان في هذه الرواية ليعكس لنا عصر كان ملئ بالطبقية الاجتماعية، حيث  ظهر الناس على شكلين وهما النبلاء والفقراء العاملين، وليعطي حاسة الشم بعدا ومفهوما جديدا يرتبط بالصراع النفسي حول اكتشاف الذات وخلق وايجاد كياننا في المجتمع .. من نحن؟؟ وماذا نريد؟؟ وماذا نستفيد ان امتلكنا العالم وخسرنا ذاتنا؟!

حقق غرونوي ما كان يصبو إليه وما كان محركا لوجوده، وسواس فكري دفعه للرقي إلى مكانة أبرع وأحذق عطار في العالم، وأن يكون قادرا على استمالة محبة وعطف البشر بفضل عطره السحري. ورغم ذلك إلا أنه لم يستطع تجاوز كراهيته للبشر ناهيك عن إحباطه وحنقه الناتجين عن عدم امتلاك جسده لرائحة خاصة والذي يولد لديه شعورا مستمرا باللاوجود وبعبثية كينونته..

باختصار هي رواية عطرية..

مناقشة الرواية مع عائلتي الثقافية #نادي الكتاب اللبناني

Back to top button