رجل الدين.. والأخ الرومي
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

ننفرد، دون العالم أجمع، باعتبار رجال الدين، وغالبيتهم أصحاب علم وثقافة متواضعة، من طبقة «العلماء»، ربما بسبب ندرة العلماء الحقيقيين بيننا! كما أن هذه تسمية مضللة، لأنها تضع من أنهى دراسته في معهد ديني على درجة متساوية مع من اكتشف المصل المضاد للكورونا مثلا، أو من اكتشف لقاح الشلل! فرجل الدين لا يمكن أن يتساوى مع رجل العلوم الطبية والجراحية والفضائية وغيرهم، لاختلاف دوره في الحياة المعاصرة، ومحدودية أثره في المجتمع، ولذلك يروِّج البعض لمقولة «لحوم العلماء سامة»، ويقصدون رجال الدين بالطبع، أي إن من ينتقدهم يموت مسموماً! وهذه تقال دون معنى، وغالباً لكي لا يتجرأ الكل على انتقادهم، علما بأن تسمية «رجل دين» على من يمتهن هذه العمل المحترم، تسمية لا تشكو من أي عيب، ووظيفتهم مطلوبة للكثيرين ولهم مكانتهم واحترامهم!

***

يعتبر جلال الدين الرومي، حفيد عبدالرحمن بن القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق التيمي القرشي (البكري البلخي)، المولود في 30 سبتمبر 1207، في بلخ، من ضواحي خراسان، واحداً من أشهر المتصوفة في التاريخ.. وربما لهذا كرهه وزراء إعلام سابقون، أو ربما لأن الرومي كان يستخدم الموسيقى والشعر والذكر كسبيل للوصول إلى الله، فالموسيقى الروحية بالنسبة له تساعد المريد على التعرف على الله والتعلق به.

ضمّن الرومي أفكاره في كتابه «مثنوية المعاني»، وهو عبارة عن قصائد بالفارسية، ويعتبر من أهم الكتب الصوفية، وفيه يقول:

  • أنصت إلى الناي يحكي حكايته
  • ومن ألم الفراق يبث شكايته
  • ومذ قطعت من الغاب، والرجال والنساء لأنيني يبكون
  • أريد صدراً مِزَقاً مِزَقاً برَّحه الفراق
  • لأبوح له بألم الاشتياق..
  • فكل من قطع عن أصله
  • دائماً يحن إلى زمان وصله..
  • وهكذا غدوت مطرباً في المحافل
  • أشدو للسعداء، وأنوح للبائسين
  • وكلٌ يظن أنني له رفيق
  • ولكن أياً منهم (السعداء والبائسين) لم يدرك حقيقة ما أنا فيه!!
  • لم يكن سري بعيداً عن نواحي، ولكن
  • أين هي الأذن الواعية، والعين المبصرة؟!!
  • فالجسم مشتبك بالروح، والروح متغلغلة في الجسم..
  • ولكن أنّى لإنسان أن يبصر تلك الروح؟
  • أنين الناي نار لا هواء..
  • فلا كان من لم تضطرب في قلبه النار..
  • وهكذا كان الناي صديق من بان
  • وهكذا مزقت ألحانه الحجب عن أعيننا..
  • فمن رأى مثل الناي سماً وترياقاً؟!
  • ومن رأى مثل الناي خليلاً مشتاقاً؟!
  • إنه يقص علينا حكايات الطريق التي خضبتها الدماء
  • ويروي لنا أحاديث عشق المجنون
  • الحكمة التي يرويها، محرمة على الذين لا يعقلون،
  • إذ لا يشتري عذب الحديث غير الأذن الواعية.

ومن أشهر أقوال الرومي:

  • مَنْ لا يركض إلى فتنة العشق يمشي طريقاً لا شيء فيه حي.
  • إنك قد رأيت الصورة ولكنك غفلت عن المعنى.
  • هكذا أود أن أموت في العشق الذي أكنه لك، كقطع سحب تذوب في ضوء الشمس.
  • ارتق بمستوى حديثك لا بمستوى صوتك، فالمطر هو الذي ينميّ الأزهار وليس الرعد.

***

كتب الرومي بالفارسية والعربية، ولكن، كالعادة، لا توجد مخطوطات أشعاره الأصلية، ولكن تأثير أعماله على اللغات الثلاث، العربية والفارسية والتركية، واضح، ولكن الأخيرة هي التي اهتمت به أكثر من غيرها، ووضعت صورته على عملتها، وحولت قبره في «قونية» لمزار ومتحف رائع.

أما في دولنا، فحتى ذكر اسمه ـ دع عنك دعوته لحضور مهرجان (!!) ـ غير مستحب!

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى