شعارات الموت
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
لا هتافات عبطية هرائية لا معنى لها على أرض الواقع
النشرة الدولية –
أتابع وأقرأ الشعارات والهتافات من زاوية لغوية ومنطقية، ربما لأنني لغوي، وربما لأنني من جيل عاش، ولا يزال يعيش عصر الشعارات، التي تقود الملايين وتحركها.
كما أرى في سبر الشعارات والهتافات التي تتحول لاحقاً لشعارات والتعمق بتحليلها فهماً وإدراكاً واسعاً لأهدافها ومراميها وللحالة النفسية والمقاصد السياسية أو الاقتصادية لمُطلقيها.
للعالم جميعاً شعاراته، سواء أكان هذا العالم غرباً أو شرقاً، ديمقراطياً أو شمولياً، مسلماً أو كافراً.
فالشعار يحاول اختصار المقصد والهدف بأقل قدر من الكلمات والعبارات، وكل منتج مادي أو أيديولوجي له شعاراته، ولندع المنتج المادي جانباً لأنه يسعى لهدف واحد فقط، ألا وهو التسويق وبيع المنتج.
لكن الشعار السياسي الأيديولوجي مختلفة أهدافه، فهو يسعى للتعبئة والأدلجة والتوجيه الجماهيري، وقد يكون له تأثير السحر والمخدر على الجماهير التي يحركها الشعار والهتاف دونما التفكير بمعناه، أو الغوص في مفاهيمه ومقاصده، فتندفع بحناجر ملتهبة، وصرخات لوزية (من اللوز) تردد دون تفكير، وتهذر دون تدبير.
“أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، كان من شعارات حزب البعث العربي الاشتراكي، ووحدة، حرية، اشتراكية، كانت أهداف الحزب. حكم الحزب العراق وسوريا، فلم تتحقق الوحدة بينهما، وباقي الأهداف من حرية واشتراكية يدركها العراقيون والسوريون قبل غيرهم. أما هتافات و”هوسات”، “صدام اسمك هز أميركا”، فقد انتهت بصاحبها إلى حفرة تحت الأرض أخرجه الأميركان منها ليُحاكم ويُعدم.
“مرك بر أميركا”، و”مرك بر إسرائيل”، هكذا صرخت الجماهير الإيرانية بالفارسية لأكثر من أربعة عقود، ومعنى تلك الهتافات هو “الموت لأميركا”، و”الموت لإسرائيل”، كما ترجمتها “حركة أنصار الله” الحوثية باليمن. لاحظ أن أسماء بعض الأحزاب يمثل شعاراً تعبوياً بحد ذاته: “أنصار الله”، “حزب الله”، “جند الله”… إلخ. تتساءل: كيف يكون لله حزب؟ فيأتيك الجواب من أتباع الأحزاب: “أولئك حزب الله إلا أن حزب الله هم المفلحون”، وورد في آية أخرى، أن “حزب الله هم الغالبون”، لكن من منكم يمثل حزب الله حقاً؟ فالكل يدّعي احتكار ذلك الشرف الإلهي، وكما ورد في آية قرآنية أخرى “كل حزب بما لديهم فرحون”.
لكن الحركة الحوثية أضافت شعاراً آخر تغلبوا به على الشعار الإيراني باللغة الفارسية، وهو شعار “اللعنة على اليهود”، سيصعب تحويله لهتاف تعبوي حالياً، حيث يتفاوض “حزب الله” بلبنان على ترسيم الحدود مع الدولة اليهودية – إسرائيل.
ويتساءل الواحد بعقلانية مفقودة في عالمنا العربي العنيد: كيف يكون الموت لأميركا؟ وكيف يكون الموت لإسرائيل؟ معروف أن الدول يمكن أن تفشل وتصبح أثراً بعد عين، ولنا باليمن والعراق وسوريا ولبنان خير مثال، لكن البشر بها ما زالوا يعيشون عيشةً ضنكاً، وهم بشر يستحقون الحياة مثل باقي البشر، ولا أعرف كيف يمكن لمثل هذه الشعارات والهتافات أن تعين البشر بهذه الدول المنكوبة على تحسين حياتهم المعيشية.
لعل التساؤلات تزداد ألماً ووجعاً منطقياً حين يستدير المشهد لفلسطين هذه الأيام، فبعض الفلسطينيين – والتبعيض هنا للمجاملة ليس إلا، لأن الخليجيين جميعاً يدركون أنه معظم، وليس بعض – أقول بعض الفلسطينيين هذه الأيام يهتفون في غزة بحياة إيران، ويصفقون لذكرى من يعتبرونه شهيداً بطلاً، وهو من يعده الملايين بالعراق وسوريا ولبنان مجرم حرب – ألا وهو قاسم سليماني، في الضفة أقاموا نصباً لمجرم الحرب الشهير صدام حسين، وسموا شارعاً رئيساً باسمه، وهتفوا بغزة بحناجر صاخبة حاقدة ضد دول الخليج وبالأخص منها المملكة العربية السعودية والإمارات، وسيروا مسيرات التأييد والمناصرة والفرحة لقصف الحوثي لأبو ظبي قبل أيام، وما أشبه الليلة بالبارحة، لعل هؤلاء هم أبناء وأحفاد من رقصوا وهتفوا وتظاهروا بشوارع الضفة وغزة عام 1990 حين غزا صدام حسين الكويت، ومَنْ مِنْ جيلنا ينسى هتافات “بالكيماوي يا صدام، من الخفجي للدمام”.
والواحد يتساءل حقاً: ماذا قدمنا كخليجيين للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين مقارنة مع ما قدمته إيران أو حزب البعث بالعراق وسوريا لهم؟ لم تقدم لهم تلك الدول سوى الأدلجة الجبرية والتبعية العمياء والتصفيات والاغتيالات والمتاجرة بالقضية.
أعترف بأن الخليجيين ليسوا ملائكة، ولهم أخطاؤهم، بل وربما خطاياهم، وهم بذلك كغيرهم يصيبون ويخطئون، لكنهم بالقضية لم يساوموا، ولم يرفعوا شعارات يستحيل تحقيقها، ولا هتافات عبطية هرائية لا معنى لها على أرض الواقع، ولكن ما هي الأسباب التي تجعل “بعض” الفلسطينيين يحملون هذا الكُره والحقد للخليج وأهله؟
يحتار المراقب لهتافات وشعارات “الجماهير” بيننا – بوعيها وغوغائيتها – ويقف عاجزاً عن فهم وسبر غور النفسية التي تعيشها الجماهير المحيطة بدول الخليج، وبالذات الفلسطينية منها – أقصد “بعض الفلسطينية منها.