عن حكومة ميقاتي.. و”العصي بالدواليب”
بقلم: ايناس كريمة
النشرة الدولية –
لبنان 24 –
بالرغم من انخفاض سعر صرف الدولار أمس بعد التعميم الذي أصدره مصرف لبنان، الا أن المؤشرات التي ظهرت خلال الأيام الماضية التي تلت الانتخابات النيابية أوحت بأن الارتطام الكبير بات قاب قوسين أو أدنى، وأن مثل هذه التعاميم التي تصدر “على غفلة” بين حين وآخر لتكبح سرعة ارتفاع سعر صرف الدولار ليست كافية لإنهاء حالة القلق النقدية.
وفي ظلّ الانهيار الحاصل والذي نتجت عنه جملة أزمات اقتصادية ومالية ومعيشية عصفت بالبلاد،ارتفع الضجيج السياسي والاعلامي لتحميل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مسؤولية التطورات السلبية، علماً أن هذه الحكومة هي أيضاً حكومة القوى السياسية المشاركة فيها. فبأي حقّ تجرّأت بعض هذه القوى على رمي الكرة في ملعب ميقاتي وشنّت عليه هجمات “استباقية” للتستّر على العراقيل التي وضعتها في طريقه في محاولة لمقايضته أو إفشاله بأي ثمن!
ولعلّه بات من الضروري التذكير بأن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وإن لم تستطع أن تحقق غاية الإنقاذ المنشودة بحذافيرها، غير أنها تمسّكت بالمساعي اليه ولو بالحد الادنى ربطاً بالوقائع والظروف ووضعت القطار على السكة الصحيحة، حيث لم يمضِ يوم واحد خلال فترة إمساكها بزمام المرحلة الا وكان غالبية وزرائها ينشطون ما بين الاجتماع والتنسيق مع ميقاتي لضبط عجلة الانهيار بما استطاعوا اليه سبيلا.
وبعكس كل الحكومات المتعاقبة، تكاد حكومة ميقاتي تكون الوحيدة التي التزمت ببيانها الوزاري من دون تفريط، وصارحت كل اللبنانيين بلا مواربة بالواقع الحقيقي كما هو، رغم بعض العبارات التي خرجت على لسان ميقاتي وتسببت باستفزاز شريحة واسعة من اللبنانيين، غير أن تلك العبارات، على عفويتها، ختمت بالصدقية “حكومة الانقاذ” التي أبى رئيسها الا أن ينقل بشفافية طبيعة التحديات التي تواجهه ونسبة الفُرص المتاحة للخروج من الأزمات بأقل أضرار ممكنة.
“عملية انتحارية”؛ هكذا أطلق البعض على قبول الرئيس نجيب ميقاتي مهمّة تكليفه لرئاسة الحكومة، هؤلاء كانوا يرددون في جلساتهم الخاصة “الله يعينو”- أي ميقاتي- إذ كانوا يدركون جميعاً حجم العقبات التي ستعترض طريقه وكمية “العصي في الدواليب” التي ستعرقل عمله، غير أن ميقاتي سار بحذر بين الألغام لأنه كان يعي مدى حساسية المرحلة والتي تطلّبت جهداً وصبراً و”طول بال”.
لكنّ ميقاتي قد عبَر، كيف لا وهو الذي التزم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها رغم معاندة الظروف التي جرت بغالبيتها عكس ما يشتهي، وفتح الأبواب أمام التغيير الذي يتطلّع اليه اللبنانيون مُعلناً عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية في مشهد يذكّر بالعام 2005 حين لم يترشح أيضاً ضماناً لنزاهة وشفافية حكومته التي كُلّف بها آنذاك للاشراف على الانتخابات. أضف الى ذلك، فإن ابتعاده عن خوض المعركة الانتخابية اتى على خلفية اقتناعه بضرورة إفساح المجال امام الجيل الجديد، على حدّ تعبيره.
المشكلة الحقيقة اليوم تكمن ومن دون أدنى شك في السياسات المتّبعة لدى بعض القوى السياسية التي خاضت الانتخابات النيابية وفتحت اشتباكاً سياسياً وأطلقت العنان لحروب المزايدات قبلها وبعدها، ما أعاد اللبنانيين الى نقطة الصفر وسرّع في انفلات الاوضاع وتفاقم الازمات المعيشية بعدما تحولت حكومة ميقاتي الى تصريف الاعمال. وما بين نشوة الانتصارات سواء كانت وهمية او حقيقية وتراشق الاتهامات و”فرد العضلات” والانقسام الحادّ بين مختلف القوى والمناكفات التي يبدو بعض الاعلام أيضاً شريكاً أساسياً فيها، بقي ميقاتي في موقع المحافظ على المصلحة الوطنية وما تتطلبه هذه المرحلة الحساسة من خطوات عملية وسريعة تبدأ بعدم تأخير الاستحقاقات منعاً للسقوط الاخير.
ثمة من يقول أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هي آخر حكومات “العهد”، لذلك فإن التصعيد السياسي والتراشق الاعلامي قد يستمرّ بشكل او بآخر وبسقف متفاوت في محاولة لإحراق مراكب ميقاتي وتحميله مسؤولية التراجع لحرف البوصلة عن إخفاقات “العهد” طوال سنوات حُكمه، لكن الواقع واضح امام مرأى كل المطّلعين الذين أجمعوا على أن ميقاتي لعب دوراً بارزاً في “لملمة” الفشل الحاصل.
مما لا شك فيه أن من حقّ اللبنانيين تحميل المعنيين مسؤولية الأزمة، لكن الاكيد ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قامت بجهود جبارة في ظلّ مرحلة سياسية صعبة، غير أن المسؤولية اليوم تقع على عاتق القوى السياسية الجديدة التي افرزتها نتائج الانتخابات النيابية والتي بات لزاماً عليها التوقف عن التلهّي بقشور الاشتباكات حول العناوين الكبرى والتي، اقله في هذه المرحلة، لن تفيد المواطن بشيء، والعمل على تحديد خياراتها للبدء بعملية الانقاذ المرجوة والتوافق على تشكيل حكومة جديدة بمواصفات جدية تسعى لانتشال الواقع المالي والنقدي والاقتصادي بشكل كامل.